موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم  موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم
مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث
جاري التحميل ...

في الرد على هذيان مفتية (الثقلان) دون خرق إجماع العلماء على إمارة البخاري في الحديث خرط القتاد

في الرد على هذيان مفتية (الثقلان) دون خرق إجماع العلماء على إمارة البخاري في الحديث خرط القتاد


ولنبدأ الآن في عرض مطاعن الكاتبة في البخاري، مع بيان وجه الرد عليها :
1- نقلت  الكاتبة عن الكوثري قوله عن البخاري : “كان ما لقي من أهل نيسابور وبخارى عقوبة معنوية له” “وتزداد عجبا حينما ترى ابن أبي حاتم يقول عن البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم بسبب اللفظ”، وجعلت الكاتبة ذلك في صدر مقالها؛ بحرف بارز، للتلبيس والتمويه !! كأن ذلك حقيقة لا يعترض عليها، وأمراً لا يختلف فيه اثنان !! والحق أن المنقول عن ابن أبي حاتم ثابت صحيح، لكنه هكذا: قال ابن أبي حاتم: “محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، قدم عليهم الرَّيَّ سنة مائتين وخمسين، سمع منه أبي وأبو زرعة، ثم تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيىالنيسابوري أنه أظهر عنهم أن لفظهُ بالقرآن  مخلوق”(2)، وتجريح أبي حاتم وأبي زرعة للبخاري مردود لأمور:
< أن تركهما له معارض بثنائهما عليه، فقد قال أبو حاتم: “لم تخرج خراسان قط أحفظ من محمد بن إسماعيل، ولا قدم منها إلى العراق أعلم منه”(3)، واعتمد أبو زرعة على البخاري في تركه أبا لهيعة(4).
< أن ما استندا عليه، له أصل واه، لأنهما تابعا فيه محمد بن يحيى الذهلي، وهو معروف بحسده للبخاري الذي فطن لذلك لما قال: “كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء”(5)، ولما قدم البخاري إلى نيسابور، لبث بها زمانا مقبلا على تسميع  الحديث، وكان محمد بن يحيى يقول لأهل نيسابور: “اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم، فاسمعوا منه”، فذهبوا إليه وتكاثروا عليه، وتركوا مجلس محمد بن يحيى، الذي اغتاظ من ذلك(6).
< سأل بعض أهل نيسابور البخاري عن اللفظ بالقرآن فقال: “أفعالنا مخلوقة،  وألفاظنا من أفعالنا”(7). فاختلف الناس في تأويل قوله : فقالت طائفة من أهل نيسابور: إنه قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقالت طائفة: إنه لم يقل شيئا من ذلك(8)،  فانتهز محمد بن يحيى الفرصة، فطعن في البخاري بالذي قالته فئة من الناس، وأمر ألا يجالس وقال: “القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع”(9).
< البخاري مصيب في الذي قاله، فإنه لم  يتفوه قط بأن القرآن مخلوق، وكما لم يمكنه ذلك – وقد اضطر حين سئل – أجاب عنه  بقاعدة عامة تغنيه عن أن يخص قضية خلق القرآن بالذكر(10) لقد صرح البخاري علانية بمذهبه في هذه القضية عندما قال: “من زعم من أهل نيسابور وقومس، والري وهمذان  وبغداد… أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة “(11). ولقد كان مذهب البخاري في خلق أفعال العباد مبنيا على قوله صلى الله عليه وسلم : “إن الله يصنع كل صانع وصنعته “(12)، فقد قال في شرح هذا الحديث: “حركتهم  وأصواتهم واكتسابهم مخلوقة “(13)، وقال البخاري أيضا: “…فأما القرآن المتلو المثبت في المصاحف، المسطور المكتوب، الموعى في القلوب، فهو كلام الله، ليس بمخلوق… وإنما ينسب إلى العباد القراءة لأن القرآن كلام الرب، والقراءة فعل العبد”(14).
وبعد ؛ فهذه أربعة أمور، أوجبت ترك كلام محمد بن يحيى في البخاري، وتوجب أيضا عدم الاعتداد بقول أبي حاتم وأبي زرعة فيه، ويالله كيف يترك البخاري !! وانظر إلى الذهبي كيف اشتد غضبه على أبي حاتم وأبي زرعة كما قال: >إن تركا حديثه أو لم يتركاه، البخاري ثقة مأمون محتج به في العالم<(15). واستمع إلى التاج السبكي يقول: >أيجوز لأحد أن يقول البخاري متروك، وهو حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة؟ !..<(16).
2- جزمت الكاتبة بمهدوية البخاري، وذلك زعمت أنه أخرج حديث : >لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان، يسوق الناس بعصاه<، وردت هذا الحديث وزعمت بأنه من هذيان البخاري، وادعت أن أمر الساعة لا يعلمه إلا الله، ولا مهدي ولا رجل قحطان !! ، ولجت في غيها فزعمت أن السيوطي أخرج هذا الحديث في “الجامع الصغير”، وأن المناوي لم يوافق السيوطي على تصحيحه، لأن فيه مدلسا، ومجهولا، ثم نصبت نفسها محدثة معدلة مجرحة، فتكلمت في شيخ البخاري في هذا الحديث، عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، بأنه ضعيف عند بعض أهل الحديث.
وفي  كل ما قالته الكاتبة إقدام وجراءة على القول بالظن، وإعمال لمنهج شيخها الكوثري في خلط حق بباطل،  وتصوير الشيء على غير صورته، وبيان ذلك يكون من وجوه:
أولا : ليس في الحديث ما يدل على معارضته، للثابت(المقرر من أن أمر الساعة لا يعلمه إلا الله، بل فيه كما يقول ابن حجر دليل على صدق النبوة، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأمر سيقعقبل وقوعه(17).
ثانيا : لم يخرج السيوطي حديث البخاري قط  كما  زعمت الكاتبة، كاذبة، وأخرج حديثا يقرب منه، هو حديث ابن عمر عند الطبراني: >ليسوقن رجل من قحطان الناس بعصا<، وهو الحديث الذي قال فيه المناوي ما ذكرته الكاتبة(18)، فما فعلته الكاتبة من التلبيس !!
ثالثا: ما ذكرته محدثة العصر من أن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ضعفه البعض، لا يسلم، لأن المقصود بالبعض أبو داود، فقد قال في عبد العزيز: >ضعيف<(19)، لكن الذي رجحه ابن حجر أن ذلك ليس يصح عن أبي داود(20)، وقال الذهبي فيه: > ثقة جليل<(21).
ْ3- خرقت الكاتبة إجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، بتقريرها أن في صحيح البخاري >عددا من الأحاديث الضعيفة أو الباطلة<، وذلك من أجل بضعة أحاديث واردة في المرأة، لم تفهم المراد منها، فمن هذه الأحاديث التي ساقتها.
أ- حديث الشؤم في ثلاث:  ولفظه عند البخاري في “المجاهد”  :  >إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار<، و لقد ادعت الكاتبة أن هذا الحديث يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم  : > لا  طيرة <، ثم  ذكرت إنكار عائشة للحديث، بيد أن الذي فهمته الكاتبة غير صحيح لما يلي :
1- أن الشؤم لا يوجد في هذه الأشياء بالنسبة إلى الخلقة، بل إنه  موجود فيها بالنسبة إلى العادة، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم عنى أن هذه الأشياء الثلاثة، هي أكثر ما يتطير به الناس.
2- لا منافاة بين حديث : > لا طيرة<، وبين إثبات الشؤم، لأنه وقع في سياق حديث ابن عمر، عند البخاري في كتاب الطب: > لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة<، قال ا بن حجر: > والتطير والتشاؤم بمعنى واحد، فنُفِيَ أولا بطريق العموم كما نُفِيَ العدوى، ثم أثبت الشؤم في الثلاثة المذكورة <(22).
3- لا معنى لإنكار عائشة على أبي هريرة رواية حديث: > إنما الشؤم في ثلاثة…<.لموافقة غيره من الصحابة في رواية الحديث، كابن عمر وسهل بن سعد الساعدي، وسعد بن أبي وقاص، وقد قال ابن حجر: …” وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان  اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك…<(23).
ب-حديث ناقصات عقل ودين : نقلت  الكاتبة عن الشوكاني والسخاوي والنووي والقاري أنهم قالوا في حديث: >تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي<- : باطل لا أصل له. ثم ذكرت الكاتبة أنه معارض للقرآن، وفيه خطأ فادح إلخ… بيد أن فيما قالته الكاتبة تلبيسا كبيرا، وتحريفا وتزويرا، لا يُستَغْرب من كوثرية زاهدية مثلها، فأين حديث:  > ناقصات عقل ودين<، من حديث : >تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي<؟ ، وهل هما حديث واحد كما تعتقد محدثة هذا العصر ؟ !!وهل ورد هذا الحديث المشهور: >  ناقصات عقل ودين< هكذا بهذا اللفظ في الصحيح، مجردا عن سياق أو قصة توضح معناه؟ !! ووالله لقد زلت محدثة هذا العصر زلة أسقطت حجتها في أن البخاري محتقر للمرأة، لا يفهم معنى القوامة المذكورة في القرآن؟ !! وبيان زلة الكاتبة يكون من وجوه:
1- حديث : >تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي< لا وجود له في صحيح البخاري، ولقد أوهمت عبارة الكاتبة وجوده فيه، وذلك من تهور الكاتبة وكذبها !!
2-ما  ذكرته الكاتبة في حديث : >تمكث إحداكن…<، ناقلة عن الشوكاني ومن ذكرته صحيح، لكنها تعمدت أن لا تذكر قول بعض أهل الحديث عقب ذكر الحديث المشار إليه: >ويقرب من معناه ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي سعيد  مرفوعا: >أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذاك من نقصان دينها<(24). إذ بهذا القول يتضح الفرق بين الواقع في الصحيح، وبين هذا الحديث الذي لا أصل له.
3- حديث : >ناقصات عقل ودين<، و رد في صحيح البخاري، في سياق قصة، يفهم منها مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، ورفقه بهن عند الموعظة، وشدة حنوه عليهن عند التعليم، يقول أبو سعيد الخدري: >خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو في فطر- إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني أُرِيتُكُنَّ أكثر أهل النار، فقلن، وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال فذلك من نقصان دينها<، فهذا هوالحديث المخرج من صحيح البخاري، وذلك هو لفظه، وتلك هي مناسبته وقصته، ومنها يفهم معنى نقصان عقل ودين  المرأة، وهو معنى متلقى من صاحب الشريعة الذي لا ينطق إلا عن وحي يوحى إليه، وعلم يتنزل عليه، ثم أي معارضة بين هذا الحديث الصحيح، وبين القرآن الكريم كما زعمت الكاتبة؟ !! أليس الله عز وجل هو القائل: :{فإن لم يكونا رجلين فرجل  وامرأتان ممن ترضون من الشهداء..}؟ !!
إن معاني الكتاب والحديث،  وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا تتدافع و لا تتعارض، إلا عند من كان مضطرب المنهج، مختلط الطريقة، فاسد الفكر، كاسد الرأي، مثل الكاتبة !!!
ت -حديث : >فإنهن خلقن  من ضلع<: زعمت الكاتبة أن هذا الحديث من الإسرائليات التي أخرجها البخاري في صحيحه، وغالطت فلبست على القارئ، بأن نقلت عن السخاوي في المقاصد ما قاله ابن طيفور من >أن إبراهيم عليه السلام شكا إلى  ربه سوء خلق سارة، فأوحى  الله إليه: إنما هي ضلع…)، وأن الطبري روى ذلك في تفسيره، فيما بلغه عن أهل التوراة…إلخ… وأنا فما زلت أتعجب من إقدامها على القول بأن في البخاري إسرائليات، منذ قرأت كلامها، وهذا الحديث الذي زعمت أنه من الإسرائليات مخرج من الصحيحين، فهو من المتفق عليه، وهو من أعلى أنواع الصحيح، ولعلها تعرف ذلك، لكنه العمى بعد الهدى !! والحديث ا لذي اشمأزت منه نفسها، ولم يفهمه عقلها، وارد في الوصية بالنساء، وملاطفتهن،  والصبر  على ماقد يكون منهن مما لا يسلم منه أحد، إذ فيه : >واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته فلم يزل  أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا<، وما توصلت به الكاتبة من أن الحديث يتعارض مع القرآن، غير صحيح، لأن أهل التفسير، فسروا به قوله تعالى:{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها…}(25).
ج- حديث ختان المرأة : وقبل أن أمضي في حكاية قول الكاتبة في هذا الحديث، أبلغها سلام أخَيَّتِها نوال السعداوي، التي  – لا أشك – أنها تصدر عن رأيها، وتستفيد مما دبجته براعتها !!! لأخلص بعد إلى القول بأن الكاتبة – ههنا – قد  جن جنونها، وعِيلَ صبُرها، كما اشتد غضبها، فأنبأت عن دفين حقدها على البخاري، فدعت عليه، زعمت، أن ذلك سيستجاب لها، وأنى لها !!! وساقت الكاتبة بَعْدُ حديثا في ختان المرأة من >الأدب المفرد< للبخاري، وعلقت عليه بقولها: > قال الألباني: ضعيف<.
ومن العجب العجيب، والتلبيس المتناهي في قلب الحقائق، احتجاجها على احتقار البخاري للمرأة بحديث أخرجه في كتابه “الأدب المفرد”، وبينه وبين “الجامع الصحيح” مَفَاوِزُ !! لأن شرط البخاري في صحيحه هو غير شرطه في “الأدب المفرد”، ولذلك يميز أهل العلم بين ما يخرجه في “الصحيح”، وبين ما يخرجه في “التأريخ” أو “الأدب المفرد”، أو غير ذلك من كتبه.
ولقد ظنت الكاتبة – و خاب ظنها – أن البخاري قائل بهذا الحديث، لأنه أخرجه مع ضعفه، ونحن نقول لها ليس كل من أخرج حديثا في كتاب لم يشترط فيه الصحة، بمحتج به، لأن كل من له أدنى معرفة بالحديث، يعلم أن من قواعد أهل هذا الشأن: تخريج الحديث الضعيف، لمجرد العلم والمعرفة به، وعذرهم في ذلك أنهم ذكروا السند، فبرئت عهدتهم .
وإن تعجب فاعجب من إحالة الكاتبة على “ضعيف الأدب المفرد” للألباني: كأنها تريد خداع القارئ، وتريه أنها تعتمد كلام مشاهير علماء الإسلام في هذا العصر، وهذا من مغالطتها وتلبيساتها !! إذ الشيخ الألباني بريء من كوثريتها، قد مضى إلى ربه، وليس شيء أحب إليه من البخاري ومسلم والحميدي وأضرابهم.
4- إذا تأمل القارئ الفطن أسلوب الكاتبة، فضْلَ تأمل و جده أسلوبا فضفاضا واسعا، يدخل فيه كل شيء، ولا يستفاد منه شيء !! ومن إطلاقات الكاتبة العامة التي يقصد بها التهويل،  وتعظيم الصغير حتى يروج على الناس، قولها  وهي تذكر صنيع البخاري: >لقد أخرج في صحيحه أحاديث تحلل كل ما نهى عنه الله ورسوله…<، فانظر إلى هذا التعميم الذي ينسف صحيح البخاري برمته، ولعَمْرُ الله إنه لتعميم ظالم،  ولا يصح البتة، والكاتبة نفسها لم تستدل على ما ذهبت إليه سوى بحديثين، سنبين لها إن شاء الله ما التبس عليها منهما، فسقط تعميمها !!
أول حديث ساقته الكاتبة – في هذا السبيل – حديث الإسعاد(26)، وزعمت أنها أوردته من صحيح البخاري، بينما الحديث ليس في >البخاري< باللفظ الذي ذكرت، بل فيه بلفظ: عن أم عطية قالت: >بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا {أن لا يشركن بالله شيئا}، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة، فأريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ورجعت، فبايعها<. هذا لفظ الحديث في كتاب التفسير، وورد الحديث بألفاظ أخرى في  كتاب الجنائز والأحكام، ولقد حكمت الكاتبة على هذا الحديث بالبطلان وقالت: >فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر أو يوافق على شيء. ثم ينهى عنه…<، قالت: خصوصا وأن أحمد بن حنبل قد روى في مسنده… عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء فيما أخذ أن لا ينحن، فقالت امرأة: يا رسول الله، إن امرأة أسعدتني، أفلا أسعدها؟ فقبضت يدها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ولم يبايعها<، وبلفظ آخر قال: >لا إسعاد في الإسلام  ولا عَقْر  ولا شغار…<.
ورأت الكاتبة أن الحديث الذي أخرجه البخاري معارض لما أخرجه أحمد، ونحن نقول لا معارضة بين الحديثين، لأن في بعض طرق الحديث الذي أخرجه البخاري عند مسلم قالت أم عطية: >يا رسول الله، إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلابد لي من أن أسعدهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : >إلا آل فلان<، فقوله:  >إلا آل فلان< إعادة لكلام أم عطية، على جهة الإنكار والتوبيخ، لا على جهة الإذن والموافقة، كما قال صلى الله عليه وسلم للمستأذن حين قال: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم  :  >أنا أنا< منكرا عليه، قال القرطبي:  >ويدل علىصحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديث أم عطية، فقال: لا إسعاد في الإسلام< أي على النياحة<(27). فانظر أيها القارئ الكريم، كيف تخلص القرطبي من إشكال الحديث الصحيح، وجمع بين معناه ومعنى الحديث الذي ذكرته الكاتبة، وذلك صنيع الخُلَّص من العلماء العاملين الذين لا تتضارب عندهم الأدلة، ولا  تتساقط عندهم الأحاديث، بل إن كل حديث عندهم يصدق الآخر، ويفسره ويشرحه، وأما الكاتبة، فتتبع الأغلوطات،  والأحاديث المشكلات، حتى إذا وجدت من ذلك شيئا لم يفهمه عقلها، ولا ارتضاه تأويلها، طارت به فرحا، وخيل إليها أنها روجت لباطلها، و إنما ذلك -والله فضيحة لنفسها، وإنباء عن عظيم جهلها، وإخبار عن دفين حقدها على البخاري وأهل الحديث.
وأما الحديث الثاني الذي ساقته الكاتبة في هذا السبيل، فهو حديث عمرو بن دينار قال  : قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذاك الحكم ابن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما}، و خلصت الكاتبة إلى أنه بإمكان المرء أن يأكل لحم الحمار بناء على هذا الحديث، إذ لم يكن عارفا بالصحيح من الحديث الذي يخالف ما ذكره البخاري…. قالت:  والحديث المسند المرفوع الوارد في تحريم أكل الحمار، لم يبلغ إلى علمه، – تعني البخاري – و لم يخرجه في صحيحه لقلة معرفته بما صح عن رسول الله، وهو: لا تأكل الحمار الأهلي<. قلت: هنا يقال: رمتني بدائها  وانسلت، وما ذكرته يسلِّي الحزين، ويضحك الثكلى !! فأما أن يكون البخاري قد أخرج حديث عمرو بن دينار، فلقد فعل ذلك، بعد تخريج سبعة أحاديث قبله في الباب نفسه تفيد النهي عن أكل الحمر الأهلية، فلماذا أعرضت الكاتبة عن هذه الأحاديث السبعة الصحاح، واختارت الحديث الثامن الذي قصد البخاري من تخريجه بيانمذهب ابن عباس في هذه القضية؟
وأما  ما ذكرته الكاتبة من قول ابن حجر: >والجواب عن آية الأنعام أنها مكية، وخبر التحريم متأخر جدا فهو  مقدم<، فذاك اعتراض من ابن حجر على ابن عباس، لا على البخاري.
وأما قول الكاتبة: >… ولم يخرجه في صحيحه لقلة معرفته بما صح عن رسول الله<، فمنتهى الكذب والبهتان، وحسبنا هنا أن نذكرها بما لا يعرفه الطلبة المبتدئون من قول البخاري: >أحفظ مائة ألف  حديث صحيح<(28)، وقوله: >ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول<(29).
وكأن الكاتبة استشعرت أنه قد يقال لها إن رأي ابن عباس الذي ذكره البخاري منسوخ بالأحاديث التي قدمها أولا، فاندفعت تنفي النسخ الواقع في السنة، مع الاسترسال في الطعن في البخاري والشافعي(30).
5­- وعادت الكاتبة – سامحها الله – إلى سالف عادتها، فادعت أن نقاد الحديث نبهوا على عدد هام من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في صحيح البخاري !! ونحن نقول لها: أين هؤلاء النقاد من البخاري؟ !! بل كل واحد منهم يحذو حذو البخاري، وينسج على منواله، ويرجو أن يكون يوم القيامة في زمرته،  وكل واحد منهم عند نفسه أتقى لله وأورع من أن يتجاسر فيقول: الحديث الفلاني الذي أخرجه البخاري ضعيف أو موضوع. ولقد لبَّست الكاتبة على القارئ بقولها عند البداية في سرد جملة من الأحاديث رأت أنها موضوعة أو ضعيفة- : > نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر<، إذ سيفهم  من قولها أن   >صحيح البخاري< مأوى كل ضعيف وموضوع، و ذلك بهتان عظيم !!  وإثم  كبير !!
أول حديث ذكرته الكاتبة من  >ضعيف أو باطل البخاري< !!، حديث  ابن عباس: >تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم<، ونقلت الكاتبة عن العقيلي والحاكم والترمذي والألباني تضعيفهم للحديث، وما ذكرته الكاتبة عن هؤلاء الأعلام مجازفة، وبيان ذلك:
1- ما ضعف العقيلي قط حديث ابنعباس بالسند الذي ساقه به البخاري، بل إنه ساقه من طريق حمدان بن موسى قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، ثم ذكره وقال: >ولا يتابع عليه<(31)، فأين  حديث البخاري من هذا الحديث؟ !!
2- قول الكاتبة: “..كما أبطل هذا الحديثَ الحاكمُ في كتابه: معرفة علوم الحديث”، وبيّن كذبَ الراوي فيه، تهو ر، فما ذكر  الحاكم ذلك قط في معرفة علوم الحديث، بل إنه رحمه الله ذكر حديثا في النهي عن نكاح المحرم، ثم قال: >في النهي عن نكاح المُحْرِم بابٌ مخرَّج أكثرُها في الصحيح، وتعارضها هذه الأخبار<. ثم ذكر حديث ابن عباس(32).
3-  أخرج الترمذي حديث ابن عباس من طرق مختلفة، وقال : >حديث ابن عباس حديث حسن صحيح<(33)، فأين تضعيف الترمذي الذي نقلته الكاتبة؟
على أنه يقال لم ينفرد البخاري بإخراج هذا الحديث، بل لقد أخرجه الأئمة الخمسة الباقون، كما نص على ذلك الزيلعي في نصب الراية(34). ومراد الكاتبة إسقاط الثقة بهؤلاء الأئمة، فإذا سقط البخاري، فمن هو دونه أسْقَطُ، ولكن هيهات… !!!
وهذا الحديث تكلم عليه أهل العلم، وبينوا وهْمَ ابن عباس فيه، وبعضهم وفَّق بينه وبين الحديث الذي أخرجه مسلم: >لا يَنْكح الـمُحْرِم ولا يُنْكَح<، و بينه وبين حديث أبي رافع: >أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو  حلال…<، وذاك الذي عناه الحاكم كما قال في معرفة علوم الحديث: >وقد خرَّجْتُ علته في كتاب الإكليل في عمرة القضاء بتفصيله، وشرحه، حتى لقد شَفَيْتُ<(35). وانتهت مناقشات أهل العلم حول هذا الحديث، واتضح الحق،  واطمأن الناس إليه، حتى جاءت الكاتبة فأعادتها جَذَعَة، ولكن بالباطل والتحريف والبهتان !!!
ثم ذكرت الكاتبة حديث >رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك و هو صائم ما لا أحصي<، ونقلت تضعيف العقيلي له،  ووالله لقد ز لت الكاتبة في هذا زلات سنحصيها لها الآن:
فأول ذلك، جزْمُها بأن هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وكَلاَّ ما أخرج هذا الحديث أمير المومنين في الحديث في جامعه، بل إنه رحمه الله ذكره في ترجمة >باب سواك الرطب واليابس للصائم< مُعَلَّقا.
ثانيا  : قولها : “ذكره العقيلي في >الضعفاء<، تمويه يفهم منه تضعيف العقيلي للحديث المعلق في البخاري، وعبارة العقيلي ليس يفهم منها هذا، فإنه ساق الحديث، ثم قال: >ولا يروى بغير هذا الإسناد إلا بإسناد لين<(36).
ثالثا : هذا الحديث  مما علقه البخاري في الترجمة وصدَّرَه بقوله : >ويذكر عن عامر بن ربيعة قال : رأيت..<، فهو من التعليق الممرّض الذي لم يصله البخاري في موضع آخر من صحيحه، فيُنْظَر هل هو من التعليق الممرَّض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرْط البخاري، أم من التعليق الممرَّضْ الذي يكون إسناده ضعيفا؟  والكاتبة لن تفهم هذا الكلام، حتى تعرف ما التعليق؟ وأين  وقع للبخاري في صحيحه؟ وما حكمه؟ وإلى حين معرفتها بذلك يسقط كلامها !!!
رابعا : هذا الحديث المعلق وصله أحمد وأبو داود و الترمذي، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه(37)، فأين نقاد الحديث الذين استظهرت بهم الكاتبة في ادعاء أن في صحيح البخاري >عددا هاما < من الأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ !!!
ثم ذكرت الكاتبة حديث: >إذا اشتد الحر فأبْرِدُوا بالظُّهر<، وادعت أن العقيلي والألباني ضعفاه، وكلاّ ما فعلا ذلك، وما ينبغي لهما أن يضعفا حديثا واردا في الصحيح، فأما العقيلي فلقد قال  :حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن حديث حدَّثنَاهُ عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن فرات القزاز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: >إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم<، فقال: > ليس هذا بشيء، هذا باطل، وأنكره<(38)، فتأملْ هذا الحديث تجده موقوفا على ابن عباس، وهو ما لم يخرجه البخاري رحمه الله، وأخرج في الباب عن أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد، وأبي ذر مصرِّحا بالرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي غَرّ الكاتبة أن رأت المتن واحدا عند البخاري والعقيلي، فظنت أن ذاك من هذا، صنِيع من لم يمارس صناعة الحديث،ن ولا ذاق حلاوته؟ !!
وأما الشيخ الألباني رحمه الله، فالذي ضعفه هو حديث: >كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة، فقال لنا: أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم<، قال الشيخ:  >ضعيف بهذا السياق<، ثم قال رحمه الله: >ثم إن الكلام عليه – يعني الحديث- إنما هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة منسوخ بقوله: أبردوا….وأما إذا نظرنا إلى الحديث نظرة أخرى وهي أنه تضمن أمرين اثنين: صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، وأمره بالإبراد، دون أن نربط بينهما بهذا السياق…. فالحديث صحيح، أما الأمر الأول: فقد ورد من حديث جابر قال: >كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة<… وأما الأمر بالإبراد، فقد ورد في >الصحيحين< وغيرهما من طرق عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أيضا، وابن عمر<(39).
ثم ذكرت الكاتبة جملة من الأحاديث، زعمت أن علماء المصطلح بينوا ضعفها،  وسَرَدتها -طلبا للاستكثار – من غير ذكر حجة ضعفها، وكأن الأمر قد فرغ منه، وطويت على ذلك الصحف، وتهاوى ذاك الصرح الذي شاده البخاري، والحمد لله رب العالمين !!!
ونحن هنا سنذكر لها ماذا يقول علماء المصطلح الذين استعانت بهم – في أحاديث البخاري، عساها تفيء إلى الحق، فمن ذلك:  قول الإمام النووي:  >أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما<(40)، وقال الحافظ العراقي: >أول من صنف في جمع الصحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وكتابه أصح من كتاب مسلم عند الجمهور<(41).
وقال الشيخ المحدث أحمد  محمد شاكر: >الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم و تبعهم على بصيرة من الأمر: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد  الدار قطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه، وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها، فلا يُهَوًّلنك إرجاف المرجفين،  وزعم الزاعمين، أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة…<(42).
6- وانتقلت الكاتبة بعد إلى الطعن  في رجال البخاري  وشيوخه،  وصدرت طعنها بقولها: “أجمعت أمهات كتب مصطلح الحديث أو الجرح والتعديل، وسائر كتب الحديث على أن عددا هاما من شيوخ البخاري ورجاله… مجروحون وضعفاء، ومتهمون في  دينهم…”، وهذا القول من تهويل الكاتبة وتهورها، فأين إجماع من ذكرت على أن شيوخ البخاري ورجاله، فيهم من جُرح  أو ضُعف أو اتُهم في دينه !! إذ لو كان الإجماع واقعا، لما حصل الاختلاف في هؤلاء الرجال والشيوخ؟ ! ولما أخرج البخاري حديثهم أصلا؟ ! و غاية الموجود في كتب المصطلح التي يعتمد أصحابها على كتب الجرح والتعديل – نقلُ قول بعض من تكلم في رجال البخاري، ثم بيان أن الصواب في ذلك مع البخاري، لأن في هؤلاء المتكلّم فيهم، كثيرا من شيوخ البخاري الذين لقيهم، وعرف أحوالهم، واطلع على أحاديثهم، فميز جيدها من ردِيِّهَا كما يقول ابن حجر(43).
والكاتبة سردت طائفة من رجال البخاري وشيوخه، زعمت أنه لاثقة بهم، لأنهم ليسوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عدولا ولا ضابطين للحديث، كذا قالت !!!
ونحن هنا لن نتعقب الكاتبة في الرواة الذين   ذكرتهم، فنفصل القول في وجه الانتصار لكل راو على حدة، لأن الحافظ ابن حجر قد كفانا المؤنة في  ذلك، في  >هدي الساري<، لنقف بعدُ مع الكاتبة عند بعض من ذكرته من الرجال والشيوخ:
أ- عبد الله بن الزبير الحميدي : تابعت الكاتبةُ الكوثريَّ في الطعن  في الحميدي(44)، بينما الرجل إمام حافظ،   وهو من رجال الكتب الستة، و صاحب المسند المشهور، والقصة التي ذكرها الكوثري – إن صحت – عن ابن عبد الحكم، يفهم منها وجود جفوة بين الحميدي  و بين محمد بن عبد الله بن الحكم، أوجبت اطِّراح قول أحدهما في الآخر، وعدم الاعتداد به.
ب- نعيم بن حماد : ذكرت الكاتبة جملة من أقوال المتكلمين فيه ثم قالت: ” … ومع كل هذا أخرج له البخاري في صحيحه، ويُعَد وضاعَ مثالب، وكذابا لا دين له، و مدلسا محبوبا عند البخاري” وفي هذا القول مجازفات منها:
1- لم يخرج البخاري عن نعيم بن حماد كثيرا، كما قد يفهم من عبارة ا لكاتبة، بل قال ابن حجر: >… ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلقله  أشياء أخر<(45).
وقال الذهبي في الميزان : >خرج له البخاري مقرونا بغيره<(46).
2- وثَّقَ نعيمَ بن حماد غيرُ واحد من أئمة هذا الشأن، كالإمام أحمد وابن معين  والعجلي(47)، بخلاف ما أفهمه صنيع الكاتبة حيث ذكرت أقوال المجرحين دون المعدلين، وذلك مناقض للقواعد العلمية التي يسلكها أرباب هذا الشأن.
3- ما ذكرته الكاتبة من أن نعيما كان يضع المثالب… صحيح بالنسبة لما قيل من أنه كان يضع حكايات في ثلب أبي حنيفة(48)، ومن هنا يفهم تحامل الكوثري عليه، لكن قال ابن حجر: >… ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع، وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبا عليه، لأنه كان شديدا على أهل الرأي<. قال ابن حجر: >وهذا هو الصواب<(49).
ت- جرير بن حازم أبو النضر الأزدي : نقلت الكاتبة عن العقيلي أنه ضعيف في قتادة…  إلى أن قالت: ” كما بين ضعفه ابن حجر في  مقدمة فتح الباري…”، ونحن نحب أن نقول لها قولا جامعا في العقيلي الذي أكثرت من النقل عنه، فسلخت كتابه، العقيلي متعنت في نقد الرجال، وربما أدخل في كتابه من ليس ضعيفا، ولذلك اشتد تقريع الذهبي له لما أدخل  في “الضعفاء” علي بن المديني، فقال له: أفما لك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم، وإنما تبعناك في ذكر  هذا النمط، لنذبّ عنهم ولنُزيَّفَ ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث(50).
هذه واحدة، وأما الثانية: جرير بن حازم  ضعيف في قتادة، و لما كان كذلك عند غير العقيلي، تحامى البخاري إخراج حديثه عن قتادة، قال ابن حجر: > إلا أحاديث يسيرة توبع عليها< (51).
ثم ما ذكرته الكاتبة  عن ابن حجر، وأنه ضعف جريرا، غير صحيح، بل إنه نقل أقوال المعدلين له، ثم قال: >وقال ابن سعد: ثقة، إلا أنه اختلط في آخر عمره<  قلت: لكنه ما ضره اختلاطه لأن أحمد بن سنان قال: سمعت ابن المهدي يقول: كان لجرير أولاد، فلما أحسوا باختلاطه حجبوه، فلم يسمع أحد منه في حال اختلاطه شيئا< واحتج به الجماعة< (52) هذا كلام ابن حجر بحروفه، فأين ما ادعت الكاتبة؟!!
وأما ما نقلته الكاتبة عن ابن حجر من قوله في “التقريب”: >له أوهام إذا حدث من حفظه<، فهو دليل ساطع على تحريفها وتزويرها لما تنقله عن أهل العلم. إذ حذفت الكاتبة من أول الكلام ما لا يتناسب مع هواها، حتى تروج باطلها، ففي أول الكلام قال الحافظ ابن حجر: >جرير بن حازم… ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام. ..<(53)، فانظر – رحمك الله -كيف يكون سبيل من يدعو إلى محا ربة  فقه التطرف واللاعقل  في الإسلام !!!
ج- عمران بن حطا ن  السدوسي : ذكرت الكاتبة أنه خارجي، بل زعيم الخوارج، ونقول: نعم لقد كان الرجل كذلك مع الثقة والعدالة، ذكره بذلك العجلي، وقال قتادة: > كان  لا يُتّهم في الحديث<، وقال أبو داود: > ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج<، ثم ذكر عمران هذا وغيره(54).
ونستحب للكاتبة أن تُلِمّ ههنا بقاعدة جليلة، نلخصها في أن عُمْدة قبول الرواية حُصول الظن بصدق الراوي، وعدم إقدامه على الكذب، ذلك لأن من أئمة الحديث من أخرج حديث جماعة فيهم المرجئ والقدري والناصبي، والشيعي الغالي، والخارجي، وهم كما يقول الصنعاني – قطرة من رجال الكتب الستة،  وحكموا بصحة أحاديثهم مع الابتداع،  وذلك دليل ناهض على إجماعهم على أن عمدة قبول الرواية حصول الظن  بصدق الراوي(55).
وأما قول الكاتبة في عمران بن حطان: “وقد أخرج له البخاري أحاديث في صحيحه مع أنه من أ صحاب البدع”، فنقول  لها: وأين تلك الأحاديث في صحيح البخاري؟ !! إنما هو حديث واحد أخرجه البخاري من رواية يحيى بن أبي كثير عنه، قال ابن حجر: >وهذا الحديث إنما أخرجه البخاري في المتابعات، فللحديث عنده طرق غير هذه..<(56).
خ- عتّاب بن بُشير الجزري : نقلت الكاتبة أقوالا في تضعيفه ثم قالت: “… كما بين ابن حجر في مقدمة فتح الباري ضعفه”، ويخيل إلي أن الكاتبة لا تعرف أن ابن حجر  في >مقدمة فتح الباري<، ينتصر لرجال البخاري الذين تكلم فيهم علماء الجرح والتعديل،  وأنه عقد لذلك فصلا سماه : >في سياق من طُعِن فيه  من رجال هذا الكتاب مرتبا لهم على حروف المعجم، والجواب عن الاعتراضات موضعا موضعا، وتمييز من أخرج له منهم في الأصول، أو في المتابعات…) فأين تضعيف ابن حجر لهذا الرجل؟ ! لقد نقل الحافظ أقوال المعدلين والمجرحين، وهي قليلة، ثم ذكر أن البخاري أخرج له حديثين: أحدهما توبع عليه، والآخر أخرجه البخاري مقرونا(57)، فأين ما ادعت الكاتبة؟ ! وبالجملة فإن الرجال الذين أخرج لهم البخاري، قدا جازوا القنطرة، ولا يُلْتَفَتُ إلى ما قد يقال فيهم، ويقول أبو الفتح القشيري تعليقا على هذا المعنى: >وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة، وبيان شاف…<(58).
وأنت أيها القارئ الكريم، فلا يَهُولَنَّكَ، تعظيم الكاتبة لمسألة كلام بعض علماء الجرح والتعديل في رجال البخاري، وقولها: “وتطول اللائحة، ولا يسمح هذا المجال بذكر كل الضعفاء والمتروكين من رجال البخاري”، فإن ذلك كله فيه تهور  وإسراف، وأهل العلم بالحديث ونقاده قد فرغوا من هذا الأمر  من قرون، ونفضوا منه أيديهم، واستقر في الأذهان، أن أصح الكتب بعد كتاب الله: الصحيحان، وذلك يقتضي تعديل رجاليهما، والثقة بهم، والحمد لله رب العالمين.
وإذا بقي في صدرك أيها القارئ الكريم شك مما ذكرته، فدونك  هدي الساري لابن حجر، فإنه ذكر تلك اللائحة التي أشارت إليها الكاتبة،  واستقصى رجالها، وتكلم فيهم بالعدل والإنصاف، وخلص إلا أن الصواب مع البخاري في تخريج أحاديثهم.
ولقد كنا نظن أن الكاتبة تذكر من جُرِّح من رجال البخاري، الذين أخرج لهم في >الصحيح<، حتى كشف لنا البحث أنها تذكر أيضا من لم يخرج له في >الجامع<، كإسماعيل بن عياش الحمصي أبي عتبة، الذي أخرج له البخاري في  >جزء رفع اليدين في الصلاة<. وهذا دليل على تخبط الكاتبة، وتدليسها !!
وذكرت الكاتبة حفص بن ميمون، وهو حفص بن عمر بن ميمون الألبي، وهو الذي ذكره العقيلي في الضعفاء(59)، كما ذكرت الكاتبة، لكنها جازفت لما قالت: “… فقد أخرج له البخاري شيئا في أكاذيبه”، إذ الرجل ليس من رجال البخاري، بل وليس من رجال الكتب الستة البتة، ولم يخرج له البخاري في أحد كتبه المفردة في الموضوعات المعروفة، فمن أين خيل للكاتبة أنه من رجال البخاري؟!!
7- ومضت الكاتبة في طعنها في البخاري، فاتهمته بالتدليس، ولو أن الكاتبة  أنصفت، لساقت نقول أهل العلم الناطقة بذلك، المصرحة في نفس الوقت بنفي التدليس عن البخاري، لكنها تأخذ من النقول ما تشاء، وتدع منها ما تشاء، وذلك لعمر الله صنيعُ المروِّج لباطله، المبتلى بالتحريف والتدليس!!
وحقيقة الحال في تدليس البخاري، أن الحافظ أبا عبد الله بن مَنْدَه قال: >أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها: >قال لنا فلان< و هي إجازة، و >قال فلان< وهو تدليس….<(60). وقال العراقي معترضاً على ابن منده: >… و هو مردود عليه، ولم يوافقه عليه أحد علمته، والدليل على بطلان كلامه  أنه ضم مع البخاري مسلما في ذلك، ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه: >قال فلان <، وإنما روى عنهم بالتصريح، فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده…<(61).
فهلا نقلت الكاتبة كلام العراقي، الذي أورده سبط ابن العجمي في >التبيين لأسماء المدلسين<(62)، وهو الكتاب الأول الذي أحالت عليه في نسبة البخاري إلى التدليس؟!! وأهل الحديث لما تكلموا عن هذا الموضوع، قالوا: إن ما يقول فيه البخاري: >قال فلان< محمول على الاتصال كالإسناد المعنعن. ويقول ابن الصلاح شارحا مقصود البخاري من هذا الصنيع: >… والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه،  وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ا لحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا…<(63).
ولما علق ابن حجر على قول العراقي: >والبخاري ليس مدلسا< – قال: >أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته، بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه، أن يكون مدلسا، ومن هذا ا لذي صرح أن استعمال >قال< إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه، مستعملا لها، فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا؟!!< (64).
8- وزعمت الكاتبة – أن البخاري تفرد بقبول  يعقوب  ابن حميد بن كاسب، وأنه قال فيه: >جيد<، وروى له المناكير، وهذا كله لا يصح، ولقد أعظمت الكاتبة الفرية على البخاري، ذلك أن المنقول الثابت عن البخاري أنه قال في يعقوب بن حميد كاسب: >لم نر إلا خيرا، هو في الأصل صدوق<، نقل ذلك الكلاباذي والباجي والذهبي(65)، وغيرهم، ثم إن قولها إنهم أجمعوا على تضعيف وتجريح ابن كاسب فيه مجازفة عظيمة، وهذا ابن حجر يقول عند أول ترجمته: >مختلف في الاحتجاج به<(66).
وقولها: >وروى له المناكير< هو المنكر بعينه،  ما روى له البخاري إلا في موضعين، وذكره فيهما غيرَ منسوب، قال ابن حجر في الموضع الأول: >الذي يترجح  عندي أنه الدورقي<(67)، وقال في الموضع الثاني: >الراجح… أنه إما الدورقي، وإما ابن محمد الزهري <(68)، لكن ابن حجر رجح في >هدي الساري< أنه ابن كاسب في الموضع الأول،  وقال عن  الموضع الثاني: >يغلب على  ظني أنه الدورقي<. وأيا كان ذلك، فللإمام البخاري أن يروي  عن ابن كاسب، إذا غلب على ظنه صدق الرجل، وهو رحمه الله سيد العارفين، بصناعة الجرح والتعديل،  وإليه المرجع فيها.
وزعمت الكاتبة أن أهل الحديث أجمعوا على توثيق عبد الجبار ابن الورد، وشذ عنهم البخاري فضعفه، ونحن نستغرب ما ذكرته الكاتبة، فعند العقيلي – مرجعها الثاني بعد الكوثري – قول البخاري: >عبد الجبار بن الورد المكي: يخالف في بعض حديثه<(69)، فهلا اعتمدت على إيراد العقيلي لعبد الجبار في كتابه على تضعيفه؟!! ثم على فرض كون قول البخاري تجريحا، فقد جرح بعض أهل الحديث عبد الجبار بن الورد، فهذا ا بن حبان ذكره في الثقات وقال: >يخطئ ويَهِمُ<، وقال السلمي عن الدار قطني: >لين<(70).
وبعد :
فإن مسالك نقاد الرجال غامضة دقيقة، لن يرزق العلم بها من يغمز البخاري فيقول: >صاحب الصحيح<  ولا صحة، أو من يدعي أن في >الصحيح<  طامات كثيرة!!
9-  زعمت الكاتبة دون أدنى وجل بأن البخاري أخرج في صحيحه حديثا يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث ابن عباس: >لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله  حسبنا، فاختلفوا، وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس  يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه<.
وهذا الحديث الذي أشكل فهمه على الكاتبة، من المتفق عليه، فقد أخرجه مسلم أيضا في صحيحه، فهو صحيح، بل في الطبقة العليا من الصحة، وإن أبت ذلك الكاتبة.
وزعمت الكاتبة أن هذا الحديث مناقض، لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، و رضيت لكم الإسلام دينا}. وليس الأمر كما تخيلت الكاتبة، ذلك لأن الذي فهمه عمر من قوله صلى الله عليه وسلم: >ائتوني<، هو غير ما فهمه بقية الصحابة الحاضرين، إذ رأى رضي الله عنه أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس  على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح والأولى، فقال: >حسبنا كتاب الله<، لقوله تعالى: {ما  فرطنا في الكتاب من شيء}، فأيقن أن الله تعالى لا يقبض نبيه حتى يتم دينه لقوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم}، فقنع عمر بهذا، وأراد التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاشتداد المرض ، وغلبة الوجع عليه، وهذا من فقه عمر وفطنته. ورأي بقية الصحابة الحاضرين، المبادرة إلى تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمسكا بظاهر الأمر، واغتناما لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال، فما عنف النبي صلى الله عليه وسلم الطائفتين، بل قال للجميع كما عند مسلم في صحيحه:  >دعوني، فالذي أنا فيه خير<، وما ذكرته الكاتبة من أن هذا الحديث، معار ض لحديث عائشة الذي يفيد عدم كتمان النبي صلى الله عليه وسلم لشيء أمر بتبليغه، ظن بعيد، ورأي غير سديد، إذ لو كان مراده صلى الله عليه وسلم، أن يكتب ما لا يستغنون عنه، لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره، لقوله تعالى:{بلغ ما أنزل إليك}.
ثم في رواية مسلم لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصحابة بعد اللغط والتنازع: >… أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد  بنحو ما كنت أجيزهم…< فلو كان ما أمر به من الإتيان بالكتاب ليكتب للصحابة كتابا عزيمة وفرضا مؤكدا، لأمضاه الله، كما أمضى هذه الوصايا الثلاث.
ولعل الكاتبة فهمت من قول ابن عباس: >إن الرزية كل الرزية…< أنه يتأسف على ما فات تبليغه من الوحي، ونحن نقول، إن ابن عباس قال ما قد قال أثناء تحديثه بالحديث، أسفا على زيادة بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أولى من بيان غيره.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش أياما بعد هذا الحديث، وحفظ عنه الصحابة أشياء حدثوا بها، وبذلك يسقط ما هولت به الكاتبة من أن لغط واختلاف الصحابة قد حالا دون إكمال الدين!! وأن ذلك مناقض لنص الآية!!
وذكرت الكاتبة حديث أنس: >كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار،  وهن إحدى عشرة… قال قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين…<، وهو حديث أخرجه البخاري في صحيحه، لكن الكاتبة أبت ذلك وقالت: “وهذا لم يصح” و قولها هذا منقوض بجملة أمور منها :
1- لا علاقة بين هذا الحديث الصحيح، وبين ما ذكرته الكاتبة من حديث: أتيت بهريسة فأكلتها، فزادت في قوتي قوة أربعين، وفي نكاحي نكاح أربعين<، فهذا الحديث روي من طريق محمد بن الحجاج، وهو وضعه،  وغالب طرقه تدور عليه(71).
2- ولقد أنصف البخاري رحمه الله حينما قال في محمد بن الحجاج هذا: >منكر الحديث<(72)، ولقد نقل ذلك عنه العقيلي في كتابه في الضعفاء(73)، فهلا أنصفت الكاتبة من نفسها، فنقلت ذلك؟!! وهي التي تراجع غالبا العقيلي، وتنظر كتابه؟!!
3- تهورت الكاتبة في قولها إن الشوكاني وابن القيم قالا في حديث الهريسة: >موضوع<، بل قال الأول بعد ذكر من روى الحديث، >وله طرق لا تصح<(74)، وأورده الثاني ضمن أحاديث بوصف الأطباء والطرقية أشْبَهُ وأَلْيَقُ (75). ونحن وإن كنا لا نجادل في وضع هذا الحديث، فإننا أردنا بهذا الذي قلناه بيان عدم أمانة الكاتبة في النقل، و تعديها على نصوص أهل العلم، وتحريفها إلى مبتغاها.
4- لا تناقض بين حديث البخاري وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عائشة: >كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة، فيدنو  ويلمس، من غير مسيس، حتى يفضي إلى التي هو يومها، فيبيت عندها<، وذلك أن أهل العلم أجابوا عن حديث أنس بأجوبة منها: أن فعله  ذاك كان قبل وجوب القسمة بين النساء،  وقيل: إن القَسْم لم يكن واجبا عليه، أو يكون ذلك حاصلا برضا صاحبة النوبة(76).
ونشير هنا إلى أن البخاري، أورد حديث عائشة الذي ساقته الكاتبة من مسند أحمد، لعدم اعتدادها بالبخاري كما هو واضح من مقالها، وذلك يفهم منه علم البخاري بحديث عائشة، وتنزيله للأحاديث  منزلتها اللائقة بها من حيث الإعمال والتصديق.
5- ما ذكرته الكاتبة من أن حديث أنس، يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفا جنسيا مبالغا فيه إلخ… غير وارد إطلاقا، بل إن في ذلك كما يقول ابن حجر – إظهارا للمعجزة البالغة >في خرق العادة ، لكونه كان لا يجد ما يَشْبَع به من القوت غالبا، وإن وجد كان يُؤْثر بأكثره. ويصوم كثيرا ويواصل، ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، ولا يطاق ذلك إلا مع قوة البدن<(77).
وأما ما موهت به الكاتبة من قولها:  >ونُهي في الحديث الصحيح عن الافتخار بالجماع< إلخ…، فذلك وارد في نشر أسرار النكاح، مما يستحيى عادة  من ذكره.
وزعمت الكاتبة أن ما قاله البخاري في عدد نساء النبي  صلى الله عليه وسلم >بعيد عن الصحيح بعد المشرقين< كذا قالت !! وفي قولها من البذاءة والسماجة ما لا يخفى على القارئ الأريب.
واستدلت الكاتبة بقول العلاء المرداوي، أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بأي عدد شاء إلى أن نزل قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد}، فتكون هذه الآية ناسخة للآية الأولى:  {يا أيها النبي إنا أحللنا لك…}.
وهذا الذي ذكرته الكاتبة على أنه دليل في هذه المسألة، لا يقوى أمام حديث عائشة: >ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له النساء<(78). ومن أهل العلم من قال إن هذا الحديث نسخ آية {لا يحل لك النساء من بعد}، ومنهم من قال: إن هذه الآية منسوخة، بآية {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}(79).
10-وزعمت الكاتبة أن في صحيح البخاري >شرا وظلما فادحا في الحدود<،ـ واستدلت على ذلك بقولها: “لأنه ينص على  قطع السارق حتى في البيضة إلخ…”. وهذا القول من الكاتبة فيه من التفاهة والسخف ما لا يخفى حتى على الصبيان!! أما تفاهته، فمن جهة أن ما أورده البخاري في كتاب الحدود من صحيحه، في القدر الذي تقطع فيه اليد- فقد أسنده عن ثلاثة من أعلام الصحابة المشهورين بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: عائشة وابن عمر وأبو طرية.
وأما سُخْفُه : فمن جهة أن البخاري قد شاركه غيره من نقلة الحديث، في رواية هذه الأحاديث التي فيها القطع في ثلاثة دراهم، وفي الحبل، وفي البيضة…
وبعد :
فلولا  النصيحة لله ولرسوله، ما كان للاشتغال بالرد على هذه المقالة من معنى، إذ المقالة لا تلتزم كاتبتها بقواعد المنهج العلمي، لا بأساليب المناظرة والحوار، دع عنك ما فيها من الركاكة في الأسلوب، والسماجة في التعبير، والمجازفة في الفهم، والاعتماد المفرط على شذوذ الكوثري… وقد ختمت الكاتبة مقالتها بكلمة نقلها الكوثري، عن مجهول لا يعرف، من مصدر تالف يقول فيها: “من نظر في البخاريتزندق”، ونحن نقول معارضة لهذه الكلمة: من نظر في البخاري، قويت حجته، ودق فهمه، وجاد قوله، وآمن قلبه…
ألا وإن الطاعن على البخاري، أمله بعيد،  وحقده دفين، فاليوم البخاري، وغدا مالك والزهري، وبعد غد مسلم والترمذي، فإذا لم يُتَصَدَّ لهذا الهذيان، أوشك أهل العلم أن يغلقوا الباب، ويقولوا على الإسلام السلام.
د. محمد بن زين العابدين بن  رستم
جامعة القاضي عياض كلية الآداب بني ملال
—————
1 -انظر: بيان تلبيس  المفتري محمد زاهد الكوثري لابن الصديق، وأيضا: الكوثري وتعديه على التراث وبيان حاله في مؤلفاته  وتعليقاته لجماعة من المؤلفين.
2 -الجرح والتعديل(7/191).
3 -هدي الساري 484.
4 -المصدر السابق.
5 -سير أعلام النبلاء(12/457)
6 -هدي الساري 490.
7 -المصدر السابق.
8 -المصدر السابق نفسه.
9 -هدي الساري 491.
10 -طبقات الشافعية(2/230)
11 -المصدر السابق.
12 -أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد 137 وحكم الألباني بصحته في صحيح الجامع الصغير، رقم: 1637.
13 -طبقات  الشافعية(2/282).
14 -طبقات الشافعية(2/229).
15 -سير أعلام النبلاء(12/463).
16 -طبقات الشافعية الكبرى(2/190).
17 -فتح الباري(6/546).
18 -انظر فيض القدير(5/391).
19 -تهذيب التهذيب(3/466).
20 -هدي الساري 462.
21 -ميزان الاعتدال(2/630).
22 -فتح الباري(10/213).
23 -فتح الباري(6/61).
24 -تمييز الطيب من الخبيث 70.
25 -انظر: أحكام القرآن للقرطبي(5/1 و 2)، وتفسير ابن كثير(1/449).
26 -الإسعاد: الإعانة في البكاء في المأتم.
27 -المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم(2/591).
28 -تذكرة الحفاظ(2/556).
29 -تدريب الراوي(1/98).
30 -ذكرت الكاتبة هنا أن لها عودة إلى موضوع النسخ في السنة في مقال لها سيصدر قريبا، ولذلك أعرضنا عن تعقبها إلى حين ظهور مقالها..
31 -الضعفاء الكبير(3/127).
32 -معرفة علوم الحديث للحاكم 127.
33 -انظر سنن الترمذي بشرح المباركفوري(3/581-582).
34 -نصب الراية(3/171).
35 -معرفة علوم الحديث 127.
36 -الضعفاء للعقيلي(3/334).
37 – انظر: فتح الباري(4/158).
38 -الضعفاء الكبير(2/281).
39 -سلسلة الأحاديث الضعيفة(2/363-364).
40 -التقريب مع التدريب(1/88-91).
41 -ألفية العراقي مع شرحها(1/39).
42 -من تعليقات أحمد محمد شاكر على ألفية السيوطي(ص: 10).
43 -النكت(1/288).
44 -انظر تأنيب الخطيب… للكوثري 84 و 100 و 130.
45 -هدي الساري 447.
46 -ميزان الاعتدال(4/267).
47 -انظر: ميزان الاعتدال(4/267) وهدي الساري 447.
48 -انظر: تهذيب التهذيب(5/637).
49 -هدي الساري 447.
50 -ميزان الاعتدال(3/140).
51 -هدي الساري 395.
52 -المصدر السابق.
53 -التقريب 171.
54 -هدي الساري 432-433.
55 -ثمرات النظر لوحة 88.
56 -هدي الساري 433.
57 -هدي الساري 423.
58 -هدي الساري 384.
59 -انظر: الضعفاء للعقيلي(1/275).
60 -التقييد و الإيضاح 34.
61 -المصدر السابق.
62 -انظر(ص: 49) منه.
63 -مقدمة ابن الصلاح مع التقييد للعراقي 90.
64 -النكت(2/601).
65 -انظر: رجال البخاري(2/1392)  والتعديل والتجريح للباحي(3/153) والكاشف للذهبي(2/393).
66 -هدي الساري 453.
67 -فتح الباري(5/302).
68 -فتح الباري(7/308).
69 -الضعفاء للعقيلي(3/85).
70 -تهذيب التهذيب(3/317).
71 -انظر: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة(2/253.).
72 -التاريخ الكبير(1/64)
73 -الضعفاء الكبير(4/44).
74 -الفوائد المجموعة 176.
75 -المنار المنيف 62.
76 -انظر: فتح الباري(1/379).
77 -فتح الباري(9/114).
78 -أخرجه الترمذي وقال: >هذا حديث حسن صحيح<.

79 -انظر: الجامع لأحكام القرآن(14/219-220).

التعليقات