موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم  موقع العلامة الدكتور محمد زين العابدين رستم
مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث

مؤلفات و بحوث
جاري التحميل ...

جمع المصحف الشريف بين حقد المستشرقين وجحود الحداثيين





هذا بحث شارك به  الدكتور محمد زين العابدين رستم في مؤتمر المصحف الشريف ومكانته في الحضارة الإسلامية .جامعة العلوم الإسلامية العالمية الأردن 1433هـ.، ولقد أجيز من قبل اللجنة العلمية للمؤتمر.

بسم الله الرحمن الرحيم

" جمع المصحف الشريف بين حقد المستشرقين وجحود الحداثيين"


مقدمة البحث

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سِّيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانةَ ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فلقد كان القرآن الكريم ولا يزال محط عناية من قِبل أعداء الإسلام من المتربصين من الخارج والداخل، إذ أقبلوا عليه نظراً في تاريخ جمعه وتدوينه، وتحليلاً لطرق فهمه وتفسيره، ودراسةً لوجوه قراءته في طرقه ورواياته، وكلاما على رسمه وشكله ونقطه، وحديثا عن لغته بلاغة وصرفا ونحوا إلى غير ذلك مما له اتصال بالكتاب المبين، والتنزيل الحكيم، إذ لم يتركوا جانبا من جوانبه إلا وكان لهم فيه نظر أو رأي، أو قول، فيه شبهة أو تلبيس، أو إرجاف.
وتختلف طبقات الناظرين في القرآن الكريم من القادحين فيه من مسشترقين حاقدين، ومستغربين حداثيين موتورين، من مسلمين علمانيين، وعرب لادينيين، وتعلق كل واحد من هؤلاء بزاوية من القرآن الكريم يطعن فيها، ويهدم منها بناءها ظانا أنه يأتي على قواعدها، ويجتث أصولها وأساسها، وكان من هذه الزوايا المهمة، تاريخ جمع القرآن ونقله، وظروف تدوينه وكتابته حتى صار في كتاب جامع وديوان واحد.
لقد كان نظرُ الفريقين من مستشرقين ومستغربين إلى القرآن الكريم على أنه كتاب من وضع بشر، واختراع إنسان، فهو عندهم ـ وحاشاه ـ نزوة كذاب، وغلطة متهور خساف، وإذا كان كذلك استحق منهم القدح في تاريخ نقله، والتكذيب لطريقة تدوينه، والدفع في الصدر لأساليب ثبوته ووصوله.
ولقد اقتضى ذلك من المستشرقين الطاعنين، والمستغربين الحاقدين أن يعدوا له أهبة التكذيب، وسلسلة الإرجاف والتلبيس، إذ ما تركوا شبهة إلا روجوا لها، ولا ثلمة إلا ضخموها ووسعوها، كما أنهم لم يدعوا من تاريخ الفِرى في القرآن الكريم فرية إلا أعادوها جذعة، ولا كذبة إلا صححوها وأثبتوها..
فعظُم بذلك الخطبُ، وجلَّ به الأمرُ، واتسع له الخرق، وازداد به البلاء، فكان لابد للمخلصين من المتصدرين في العلم الشرعي من التصدي لهذا البلاء، حتى لا يشرئب برأسه، ويعلوَ بذاته، فيخرج الأمر عن الضبط، ويتفلت إلى ما لا تحمد له عقبى، ولا نهاية.
ومساهمةً في ردِّ هذا البلاء، وفضْح حاله، جاء هذا البحث للسبب المتقدم، ولأسباب أخرى منها:
أولا: تسرُّبُ هذا البلاء إلى مقررات بعض المواد المفروضة على بعض المستويات العلمية في كثير من الجامعات العالمية عربيةً كانت أم إسلامية.
ثانيا: انتشار كثير من نظريات المستغربين من الحداثيين العلمانيين، واللادينيين الهالكين، على نطاق واسع في كثير من أجهزة الإعلام العربية والدولية في برامج حوارية، وحلقات تثقيفية، وموائد مستديرة يدار فيها النقاش حول أسئلة اللحظة التاريخية الراهنة الخاصة بالحداثة والتغريب، ونظريات التقدم والتخلف، وإشكاليات اللحاق بالركب العالمي، والأخذ بأسباب المدنية والتطور.
ثالثا: انخداع كثير من الطلبة الشباب، الذين لم يطر في هذا العلم شاربهم، ولم يقْوَ فيه عُودُهم، ولم تطُلْ فيه ممارستُهم ـ بكثير من آراء التغريبيين الجديدة بخصوص تاريخ جمع القرآن الكريم، وانبهارهم بآخر ما يخرجه هؤلاء من نظريات تحطِّم الثوابت، وتهدم القواعد، وتنسف ما شاده الأجدادُ من حصون وأسوار تحمي هذا القرآنَ الكريمَ من أن يتسلط عليه من لا يحسن، ويتجاسر عليه من لا يعلم، ويتسوَّر عليه من لايفقه.
ولما خار الله لي في الكتابة في هذا الموضوع الجليل الذي تكثر فائدته، وتغزُر عائدتُه، طفقتُ أنظرُ أيَّ سبيل أسلك، وفي أيِّ طريق أشرعُ، فكان الذي فُتح لي في ذلك ما صُغته في هذه المباحث التي أوردُ تسميتَها على هذا النحو:
المبحث الأول: آراء المستشرقين في جمع المصحف الشريف وفيه:
المطلب الأول:المطلب الأول: موقف المستشرقين من جمع القرآن وتدوينه.
المطلب الثاني:موقف المستشرقين من جمع المصحف على عهد أبي بكر وعثمان .
المطلب الثالث: موقف المستشرقين من ترتيب القرآن الكريم.

المبحث الثاني: آراء التغريبيين الحداثيين بخصوص جمع المصحف الشريف وفيه:
المطلب الأول: القرآن الكريم في تصور التيار التغريبي الحداثي.
المطلب الثاني:موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد النبوة.
المطلب الثالث: موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق.
المطلب الرابع: موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان.
المطلب الخامس: آراء الحداثيين بخصوص ترتيب السور في المصحف الشريف.

المبحث الثالث:تقويم منهج المستشرقين والحداثيين في تناول مسألة جمع المصحف الشريف
المطلب الأولتقويم منهج المستشرقين في دراسة جمع المصحف الشريف.
المطلب الثاني: تقويم منهج العلمانيين من الحداثيين في دراسة جمع المصحف الشريف
.
الخاتمة في خلاصات ومقترحات تثري الإضافة العلمية للموضوع المبحوث فيه.
ولقد سلك الباحث أثناء بحثه ، منهجا قائما على الاستقراء لنصوصٍ استشراقية وحداثيةٍ بخصوص تاريخ جمع المصحف الشريف وحيثياته، ومحاولة تحليل ودراسة المنظومة المرجعية للمدرسة الإستشراقية والحداثية العلمانية، والمقارنة بين الاتجاهين للوصول إلى أفضل النتائج التي سيَبْسُط القولَ فيها في الخاتمة.
والله َأسأل أن يفتح مستغلق هذا الباب، وأن يبارك في الخطى ويوفِّق في الجهد، وأن يلهم الصواب، ويرشد إلى الحق، وأن ينفع بهذه البحث قارئه والناظر فيه والمستفيد منه، إنه سبحانه القادر على ذلك، وأصلي وأسلم على سيد المرسلين، ونبي الغر المحجلين، سيدنا محمد بن عبد الله الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين من أهل بيته الميامين، وصحبه الشرفاء المأمونين، والحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول:
آراء المستشرقين في جمع المصحف الشريف
لم يكن إقبال المستشرقين على الكتابة في القرآن الكريم تاريخا وعلوم تفسير " في يوم من الأيام بغرض تقريبه ممن لا ينطقون العربية أو بهدف التعريف بدين الإسلام أو بغرض نشر ثقافة صحيحة عن هذا الدين..وإنما كانت جهود المستشرقين تُنفق لغايات أخرى يُتستر عليها بمصطلح " البحث العلمي"، و" الأكاديمي...ولو تتبعنا ما حرره المستشرقون عن القرآن خلال قرون...ما كنا نحتاج إلى كبير عناء وبحث لكي نصل إلى المعتقد الذي ظلَّ يحكم تعاملهم مع الدراسات القرآنية وهو قناعتهم التقليدية ببشرية كتاب الله تعالى، فالمستشرق وقد أُشرب قلبه إنكار ربانية القرآن يسعى بدهاء كي يبرهن من خلال كتاباته على هذا المعتقد، يستوي في ذلك متعصبتهم ممن يكشفون عن أراجيفهم علانيةً مع أولئك المستشرقين الذين قادهم الدهاء إلى تغليف دعاويهم ببشرية القرآن بشتى الأساليب الملتوية"[1].
لقد كان القرآن الكريم ولا يزال في كثير من تصورات المستشرقين هو ما استقاه محمد بن عبد الله  من مصادر أجنبية يهودية ونصرانية على وجه الخصوص[2]، أو من عقائد أخرى معاصرة للإسلام أو قديمة[3]، وكان طريقَ علْم محمد  بهذه الديانات والمعتقدات القديمة الأحبارُ والرهبانُ الذين كان يلقاهم أو يتصل بهم في مكة[4]، أو أنَّ المصحف الذي بين أيدي المسلمين اليومَ إنما تشكَّل متنُه من آراء الفقهاء وفتاويهم خلال القرون الثلاثة الأولى كما يقول المستشرق كلود جيليو[5].
ولقد أيد المستشرقون تصوراتهم هذه عن القرآن الكريم بجملةٍ من الأدلَّة، وذلك حتى يظهروا بمظهر من يستظل بمظلة " البحث العلمي المنهجي" في بحوثهم عن الإسلام وأصوله ومرجعياته، ومن تلك الأدلة زعموا، أن القَصص القرآني عن الأمم السابقة مقتبسٌ من العهد القديم والجديد[6]، وأنًَّ القرآن اشتمل على أسماء لسور كالنحل والنمل والعنكبوت، يستحيل زعموا أن تكون موضوعا لوحي إلهي[7]، وأنَّ "طريقة ترتيب آياته تدل على أنه من صنع البشر، وتبويبه غير منطقي يصعب معه تبين كيفية ترتيب آياته أصلا "[8].
ولما اعتقد المستشرقون في القرآن الكريم هذا الإعتقاد الباطل، نظروا إليه على اعتبار أنه أثر أدبي محض[9]، بل قد وجد من بينهم مَنْ عدَّه دون التراث الأدبي العربي القديم[10]، ولذلك أقبل العديد منهم على دراسة تاريخه، وظروف جمعه حتى صار مصحفا مقروءا بين دفتين، يقدِّسه المسلمون اليوم.
لا يُدرى تاريخ معين محدد، أقبل فيه الإستشراق بمختلف مدارسه واتجاهاته على الكلام على تاريخ جمع المصحف الشريف، وتدوينه وكتابته، وإنما كان ذلك ضمن آرائه العامة حول مصادر الإسلام الأولى من أول يوم حدث اللقاء بين الشرق والغرب في مطارحات كلامية، وملاسنات نقاشية في القرن العاشر الميلادي، ومنذ ظهور الإستشراق تخصصا مفردا في قرون تلت ذلك في أوروبا.[11]
وفي الحق يندر أن يوجد مستشرق يكتب في الدراسات القرآنية ليس له رأي أو معتقد معين بخصوص جمع المصحف في حياة النبي ، وما بعد ذلك في عهد أبي بكر وعثمان ، ولذلك وُجدت دراسات استشراقية قد تكون عديدة اعتنت بدراسة تاريخ جمع القرآن الكريم من أول يوم إلى زمن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان في مصحف وُسم بـ:" مصحف الإمام"،وقام بهذه الدراسات أشهر المستشرقين من بلاد مختلفة كالمستشرق الألماني ثيودور نولدكه Theodore Noldeke ، والمستشرق الفرنسي بول كازانوفا Casanova Paulوالمستشرق الإنجليزي أرثر جفري Jeffery .A، والمستشرق الفرنسي ريجس بلاشيرBlmachèreRégis، والمستشرق المجري اليهودي الأصل جولد تسهير Goldziherوغيرهم ممن " تخصص اليومَ في تاريخ المصحف فاتجه لجمع مخطوطاته بكل الطرق الممكنة سواء من أوربا، أو من مختلف الدول الإسلامية، ومن هؤلاء المهتمين بمخطوطات المصاحف Fredec Imbert، وSolange Ory من جامعة إكس بمرسيليا وFrançois Déroche ".[12]
ولقد كان ينهزُ أغلبَ المستشرقين الذين تكلموا على تاريخ تكوين المصحف بزعمهم جملةُ أسباب منها:
أولا: محاولةُ تفسير القرآن الكريم، إذ وضع دهاتهم لذلك منهجا يقوم على ثلاث خطوات:
" الأولى: إعادة البحث في تاريخ المصحف الشريف جمعا وتدوينا..
الثانية: القيام بعملبة نقد لأمهات التفاسير المعتمدة.
الثالثة: إعادة تفسير القرآن اعتمادا على معطيات العلوم الإنسانية المعاصرة كما هي في الغرب"[13].
ثانيا[14]: دعواهم أن جمع عثمان للمصحف أغفل جملة من القراءات التي لم ينته الفصل فيها بقول يُطمأنَّ إليه إلى يوم الناس هذا.[15]
ثالثا:" أن المصحف العثماني الذي تناقله المسلمون حتى اليوم لم يكن تدوينه كاملا، لذلك احتاج فيما بعد إلى آراء الفقهاء لبيان الناسخ والمنسوخ، وذلك حرصا على بعض التشريعات التي لم يتضمنها
المصحف كعقوبة الرجم[16]".
رابعا: أن هذا المصحف ظلَّ خاضعا للمراجعة حتى القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي[17].
ويمكن تقسيم القول في مواقف المستشرقين من تاريخ المصحف الشريف ـ تبعا لما وقفتُ عليه من شبهاتهم ـ إلى ما يلي:
ـ موقف المستشرقين من جمع القرآن وتدوينه.
ـ موقف المستشرقين من جمع المصحف على عهد أبي بكر وعثمان .
ـ موقف المستشرقين من ترتيب القرآن الكريم.
المطلب الأول:
موقف المستشرقين من جمع القرآن وتدوينه.
إن المتأمل فيما كتبه المستشرقون حول مسألة جمع القرآن الكريم وتدوينه، يُفضي به البحثُ إلى جملة من الدعاوى والشُّبهات روَّج لها الإستشراقُ بمختلف اتجاهاته ومدارسه منها:[18]
1/ ادعاء غموض قضية تاريخ القرآن: حاول الإستشراق أن يدَّعي وجود الغُموض في تاريخ المصحف الشريف جمعا لسُوره وتدوينا لآياته، وذلك حتى يصحَّ له القدحُ في سلامة النَّص القرآني من التحريف والزيادة والنقصان، ومن المستشرقين الذين صرحوا بغموض هذه القضية، ولتش الذي يقول:" إن تاريخ القرآن بعد وفاة محمد لا يزال غير واضح، وإن إعداد النسخة الرسمية أو القانونية للقرآن مر بثلاث مراحل عبر تطورها، يصعب وضع تاريخ محدد لكل منها، وإن الاعتقاد السائد بين المسلمين هو أن القرآن كان محفوظا بطريقة شفهية، ثم كُتب أثناء حياة النبي - صلوات الله وسلامه عليه - أو بعد موته بقليل، عندما جُمع ورُتب لأول مرة بواسطة الصحابة، ثم ظهرت النسخة الإمام أو المصحف الإمام في عهد الخليفة عثمان بن عفان - -".[19]
ولما وجد الإستشراق في قضية جمع القرآن غموضا استصعب الكتابة فيها مدعيا تعقُّدها كما قال ولتش:" ومن جانبنا فإننا نلاحظ أن مهمة إعادة كتابة تاريخ القرآن ليست سهلة، بل هي أكثر تعقيداً في الحقيقة؛ وذلك لأن المصادر القديمة تحتوي على الآلاف من الأشكال النصية المختلفة، والتي لا توجد في أي مخطوط يعرفه المستشرقون[20]".
2ادعاء عدم صحة المنقول من الأخبار الواردة في الجمع: لقد نُقلت إلينا أخبار جمع المصحف الشريف بالنقل الصحيح الصريح الذي لا تشوبه شائية انقطاع ولا إعضال، ولا تلوِّثه لوثة كذاب ولا وضاع، فكانت أخبارا صحيحة ناصعة نصوع الشمس في رابعة النهار، تنادي بأن القرآن الكريم اعتنت الأمة بنقله وتدوينه وجمعه حياطة له، وصيانة له من التزيد، إنجازا للوعد الذي ضمن الله جلَّ وعلا حفظه عندما قال:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"[21]، فلما وقف الإستشراق على هذه العناية التي أحيط بها كتاب الله نقلا للفظه، وجمعا للآياته، حاول أن يقدح في هذه الأخبار الصحيحة التي تفيد ذلك، سعيا منه إلى أن يجرح مكانته، ويزعزع ثقةَ المسلمين به.
ولقد كان المستشرق ولتش من أكثر المستشرقين ادعاء للضعف على مثل هذه الأخبار الصحيحة التي اشتملت على تفاصيل الجمع المبارك للمصحف الشريف، إذ يقول:" إن المسلمين قبلوا هذه الروايات[22] على أنها صحيحة تاريخيا، وأن ما فيها حق لاشك فيه، مع أن هناك مشكلات صعبة تحوط بها، حيث توجد روايات أخرى في كتب الأحاديث المعتمدة تناقض موضوع هذا الحديث".[23]
ويساير جماعةٌ من المستشرقين ولتش في ادعاء الضعف والإختراع على بعض أخبار جمع القرآن الكريم، ومن بينهم المستشرق كتاني وإسكواللي، وبروكلمان ، الذين يبدون شكوكاكثيرة في موقعة اليمامة وفي كونها السبب الداعي إلى جمع القرآن الكريم ، بدعوى أنَّ من مات فيها من الحَفظة كان قليلا جداًّ خلافا للرواية الرسمية المنقولة[24].
3/ ادعاء تأخر تدوين القرآن الكريم: يرى الإستشراق أن القرآن الكريم لم يكن مدونا على عهد النبي ، وتأخر جمعه في ديوان جامع، ومصحف تام كامل إلى زمن متأخر بعد وفاة صاحب الرسالة، ونبي الدعوة، ومن المستشرقين الذين قالوا بهذا الرأي وروَّجوا له، واعتقدوه مذهبا في العلم صحيحا، غوستاف لوبون الذي يرى أن:" القرآن هو كتاب المسلمين المقدس، ودستورهم الديني والمدني والسياسي الناظم لسيرهم، وهذا الكتاب المقدس قليل الارتباط مع أنه أنزل وحيا من الله على محمد، وأسلوب هذا الكتاب - وإن كان جديراً بالذكر أحيانا - خال من الترتيب فاقد السياق كثيرا، ويسهل تفسير هذا لدى النظر في كيفية تأليفه فقد كُتب تبعاً لمقتضيات الزمن بالحقيقة، فإذا ما اعترضت محمداً معضلة أتاه جبريل بوحي جديد حلاًّ لها، ودوَّن ذلك في القرآن، ولم يُجمع القرآن نهائيا إلا بعد وفاة محمد، وبيان الأمر أن محمداً كان يتلقى في حياته عدة نصوص عن الأمر الواحد، فلما انقضت عدة سنين على وفاته حمل خليفته الثالث على قبول نص نهائي مقابلا بين ما جمعه أصحاب الرسول،والقرآن مؤلف من مئة وأربع عشرة سورة وكل سورة مؤلفة من آيات، ومحمد هو الذي يتحدث فيها باسم الله على الدوام".[25]
كما أنَّ من هؤلاء المستشرقين بلاشير وسوردال، إذ يرى الأول أن التدوينَ الفعلي للقرآن الكريم لم يكن إلا في الفترة المدنية بعد الهجرة المحمدية،[26] بينما يرى الثاني بأن" الآثار الإسلامية نفسها تدلعلى عدم تقييد الآيات القرآنية بالكتابة تحت رقابة النبي محمد، ولا هو ضمّها ضمن مجموع كامل، بل اكتفى فقط قبيل وفاته بالإعلان عن نهاية الوحي، الذي امتدَّ على فترة سنوات طويلة، وتم تبليغه نجوما حسب الاقتضاءات"[27] ويقول شيخ المستشرقين الألماني نولدكه بكل ثقة وشجاعة:" ألا يكون القرآن قد جمع كاملا في أيام النبي أمر بديهي، ذلك أن رسول الله استدعي بشكل مفاجئ وغير متوقع من المسرح الأرضي".[28]

/4ادعاء أن فقرات من القرآن الكريم قد ضاعت وفقدت من المصحف الذي يقرأ منه المسلمون اليوم: يكاد المستشرقون يتفقون على أنَّ هذا المصحف الذي وصل إلينا، ليس هو القرآن الكريم بنصه الكامل الذِّي أُنزل على محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، بل إنَّ ما جمع في عهد أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان قد سقطت منه أشياء، فضاعت من الوحي نصوص، كان من المفروض وجودها في المصحف الحالي، ومن بين هؤلاء المستشرقين القائلين بهذا الرأي،المستشرق الفرنسي هنري ماسيه الذي يقول صراحة جهارا:" إن القرآن كما وصل إلينا لا يتضمن الوحي كله"[29].
ويعنون نولدكه بعض فقرات كتابه في تاريخ القرآن بهذا العنوان الصارخ:" ما لايتضمنه القرآن مما أوحي إلى محمد"، ويورد تحته جملة من الأخبار التي تفيد ما قد فهمه مسبَّقا من ضياع جزء غير مقروء به من القرآن الكريم."[30]
ويؤكد المستشرق الفرنسيكازانوفا" أن مذهب محمد الحقيقي إن لم يكن قد زيِّف فهو على الأقل ستر بأكبر العنايات، وأن الأسباب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حثت أبا بكر أولا ثم عثمان من بعده على أن يمدا أيدهما إلى النص المقدس، وهذا التغير قد حدث بمهارة بلغت حدا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون مستحيلا"[31].
وأورد المستشرق الإنجليزي أرثر جفري في تحقيقه لكتاب المصاحف لابن أبي داود في القسم الثالث من التحقيق، وهو القسم الإنجليزي" آيات وسورا مخالفة للقرآن الكريم ادعى أنه نقلها من كتب التفسير والقراءات دون أن يبين لنا كتابا معينا حتى يمكن الرجوع إليه، وفيما يلي نموذجا لما كتبه وألحقه في سورة البينة كذبا وززرا:" رسول الله غليهم يتلو صحفا مطهرة وفيها كتب قيمة، ورأيت اليهودية والنصرانية إن أقوم الدين الحنيفية مسلمة غير مشركة، ومن يعمل صالحا فلن يكفره".[32]
5/ دعوى وجود آيات في القرآن ليست منه أصلا: اجتهد الإستشراق في أن يُثبت أن المصحف الذي بين أيدي المسلمين اليوم، ليس هو القرآن الذي قرأه النبي  ونقله الصحابةُ من بعده، بل إنه مصحفٌ قد وُجدت فيه أشياءُ ليست منه، لأغراض ليست تعرف، وما زال البحث مستمرا لاستجلاء كوامنها وأسرارها، ومن هؤلاء المستشرقين الذين اعتقدوا هذا الرأي ودافعوا عنه لفترة من الزمن، المستشرق الألماني نولدكه الذي صرح في كتابه:" تاريخ القرآن"بـ:" أن فواتح السور ليست من القرآن، وإنما هي رموز لمجموعات الصحف التي كانت عند المسلمين الأولين قبل أن يوجد المصحف العثماني، فمثلا حرف الميم كان رمزاً لصحف المغيرة، والهاء لصحف أبي هريرة، والصاد لصحف سعد بن أبي وقاص، والنون لصحف عثمان، فهي إشارة لملكية الصحف وقد تركت في مواضعها سهواً، ثم ألحقها طول الزمن بالقرآن فصارت قرآنا".[33]
ولقد لقي هذا الرأي من نولدكه ترحيبا واسعا من لدن مدارس الإستشراق المختلفة، رغم أن الرجل قد تراجع عنه وأبدى رأيا مغايرا اعتمادا على ما نشره لوت[34] في مقاله عن الطبري مفسِّرا.[35]
المطلب الثاني:
موقف المستشرقين من جمع المصحف على عهد أبي بكر وعثمان .
كان العمل الرائع الجاد الذي قام به الخليفتان أبو بكر الصديق و عثمان بن عفان ، تجاه ما وصل إليها من صحف القرآن الكريم، من جمع المسلمين على مصحف هو الذي أنزل نص ما فيه على قلب رسول الله  ـ محط نظر وانتقاد للمستشرقين، لأنه إذا حِيكتِ الشبهات والأباطيل ضد هذا العمل الذي لم يعمل أحد بعده على مثاله، سهُل حينئذ إسقاط الثقة بالمصحف الذي يقرأ منه المسلمون اليوم، ويعدُّونه قُدس الأقداس، وثابت الثوابت.
وهكذا اتجهت جهودُ الإستشراق الغربي إلى تفاصيل ما ورد من أخبار عن ظروف جمع أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان، وأسباب ذلك وحثياته نقدا واعتراضا ورميا بالشبهة من غير تحقيق، ودسا للفرية من غير تدقيق، تخليطا للحق مع الباطل، ونفثا للسُّمِّ القاتل، وترويجا للأراجيف الباطلة، ونسجا لبيوت العناكب الواهية..
لقد بادر الإستشراق إلى الإفصاح عن نواياه الخبيثة تجاه هذا الجمع الشريف المبارك من قِبل طبقات الأمة التي لا يمكن أن تجتمع على ضلالة، ولعل أصدق منْ عبَّر عن لسانه بخصوص ذلك هو المستشرق المجري جولد تسهير الذي قال:" ...فلا يوجد كتاب تشريعي، اعترفت به طائفة دينية اعترافا عقديا على أنه نص منزل أو موحى به، يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الإضطراب وعدم الثبات، كما نجد في نص القرآن"[36].
أولا:
موقف المستشرقين من جمع أبي بكر الصديق
لقد وُجد من المستشرقين مَن عدَّ الجمع الذي شرُف أبو بكر الصديق بالقيام به، مرحلة ثانية من مراحل تدوين القرآن الكريم، وليس مرحلة أولى لجمع القرآن كما هو واقعُ الحال مؤيَّدا بالأدلة الخبرية والعقلية الناصعة من تاريخ هذا المصحف الشريف، وممن ذهب إلى هذا الرأي الآفل المستشرق الفرنسي بلاشير الذي يقول:" إن جمع الخليفة أبي بكر يمثل المرحلة الثانية من تدوين القرآن، وأن سبب هذا الجمع يعود إلى الخوف من ضياع القرآن بعد أن استحر القتل بطائفة كبيرة من القراء في معركة اليمامة[37]".
وانبرى الإستشراقُ لبعض تفاصيل هذا الجمع الأول المبارك ملبِّسا الحق بالباطل، قادحا مروِّجا للشُّبهة والفِرية، فمن ذلك الطعن في أهلية زيد بن ثابت  في اختيار أبي بكر الصديق له بالإضطلاع بالعمل المبارك الذي أثمر جمعا مسَدَّدا موَفَّقا، إذ يشكِّك بلاشير وولتش في كفاءة زيد بن ثابت ثم يلقي ظلالا من الريبة في نية أبي بكر من اختيار زيد دون غيره من النساخ، وقد كان فيهم من هو أسنُّ وأخبر بالموضوع وأعلم؟؟ [38].
ثانيا:
موقف الإستشراق من جمع عثمان بن عفان
ولما كانت هذه هي مأثرة عثمان بن عفان العظمى لهذه الأمة، وحسنته الكبرى، ويده الناصعة البيضاء، انبرى الإستشراق للقدح فيها، فكان من ذلك جملة من المطاعن نسوقها واحدا تلو الواحد:
1/ التشكيك في غرض عثمان من الجمع، فهذا المستشرق الفرنسي ماسيه يرى" أنه كان لعثمان هدف سياسي بعمله هذا يعادل الهدف الديني، فقد وصل إلى الخلافة بجهد، وكان قد عزَّز مركزه بإقراره نصا لا يتغير للكتاب المقدس[39]".
2/ الطعن في قرار عثمان في إحراقه المصاحف الشخصية بعد تمام الجمع: إذ يعد بلاشير ذلك تدنيسا للمقدسات،[40] ولذلك اعتنى الإستشراق بتتبع ما وقع في مصاحف الصحابة الفردية من اختلافات، ونشروا ذلك وألفوا فيه البحوث والدراسات، إرجافا بالباطل، وترويجا له.[41]
3/ الطعن في قيمة المصحف الإمام الذي هو بركة من بركات عثمان على هذه الأمة: فهو كما يرى بلاشير لم يكتمل في جوانب كثيرة، فنمطُ الخط بزعمه ـ الذي استعمله الناسخون لم يزل بدائيا[42].
4/ الطعن في المصحف الإمام من حيث كونه ناقصا لم يشتمل على جميع على المنزل على محمد : فمثلا "حاول بعض المستشرقون الفرنسيين خلق صراع وهمي بين علي وعثمان ، في مسألة المصحف حتى يتسنى لهم القول إن الشيعة رفضوا الإعتراف بالمصحف العثماني[43]".
يقول بلاشير في هذا الصدد:" إن الشيعة يؤكدون أن المقاطع التي تتعلق بعلي وعائلته قد حذفت بأمر عثمان، ويستندون في ذلك إلى عدم تلاحم بعض المقاطع، ويعتبرون أن النص الأصلي قد انتقل سرا من كل إمام إلى خلفه، وسيظهر في النهاية عند ظهور الإمام المختفي[44]".
المطلب الثالث:
موقف المستشرقين من ترتيب القرآن الكريم
كانت هذه القضية من أهم القضايا التي أثارها المستشرقون بخصوص المصحف الشريف، حتى عَدَّ المستشرق الإنجليزي جيمس دوغلاس بيرسون D PearsonJدراسةَ الترتيب الزمني للقرآن في العصر الحاضر حقلا محفوظا إلى حدٍّ بعيد للمستشرقين[45]، ويرجع تاريخ اهتمام الإستشراق بهذه القضية إلى أواسط القرن التاسع الميلادي، حيث شرع المعتنون بدراسة فكر ودين الشرق في حلِّ هذه المعضلة مستعينين بطرق جديدة!؟[46]
وكان من هذه الدراسات الشهيرة ما سمِّي بـ:" مدرسة المراحل الأربعة" L école des quatres périodes التي وضع أساسها المستشرق الألماني غوستاف.فيل G.Weilفي كتابه:" مدخل تاريخي نقدي إلى القرآن"، والذي خمَّن فيه تاريخ القرآن الكريم وقدَّم ترتيبه الزمني الخاص، موظِّفا ثلاثة معايير: الأول: ذو طابع أسلوبي، ويعتني بشكل الآيات من حيث البسط والإختصار، الثاني: الأحداث والوقائع التي حددت موقف محمد  من معارضيه، الثالث: يعتني بالنصوص العضوية التي يجمعها رابط معنوي، كتحديد الشعائر الدينية أو بيان المحرمات الغذائية، أو بيان العلاقة مع الوثنيين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى[47].
وتابع المستشرق الألماني نولدكه في كتابه تاريخ القرآن غوستاف.فيل في هذه المعايير، وأضاف بعض التعديلات الطفيفة، حيث تحدث عن مراحل ثلاثة للقرآن الكريم، المرحلة الأولى تطابق فيها السنوات الأربع من حياة الرسول، وسور هذه المرحلة سور قصيرة وحماسية، لغتها احتفالية...المرحلة الثانية تشمل السنة الخامسة والسادسة لعمل محمد في مكة، وسور هذه المرحلة فيها حكايات عن الأنبياء السابقين ومواساة للمؤمنين، المرحلة الثالثة من السنة السابعة إلى السنة العاشرة، فيها قصص عن الأممم البائدة مع أنبيائهم.[48]
ولقد نوه المستشرق الفرنسي بلاشير بجهود نولدكه في إعادة ترتيب المصحف الشريف ترتيبا زمنيا حسب النزول، وقال:" إنه بفضل نولدكه ومدرسته أصبح ممكنا من الآن فصاعدا أن نوضح للقارئ غير المطلع ما يجب أن يعرفه عن القرآن، ليفهمه بنوعيته وليتخطى القلق الذي ينتابه عند اطلاعه على نص يغلب عليه الغموض[49]".
ويعزو بعض المستشرقين تعصبا ـ سبب إعراض المسلمين عن ترتيب المصحف ترتيبا وفق النزول إلى أصلهم العربي الذي لا يؤمن بالتنظيم والترتيب فهذا المستشرق البولوني كازيمرسكي Kazimrska:" يبدو لي أننا نبحث عن تفسير لهذا في زمن بعيد جدا، والواقع هو أن غياب روح الترتيب والتنظيم جد واضح عند العرب، هو التفسير الحقيقي.....بالتأكيد لا يمكن أن نطلب من أصحاب محمد منذ أكثر من 1300 سنة تبني نظرية علمية للترتيب، ولكن آن الأوان لترك نظامهم"[50].
وتكاد تتفق أنظار المستشرقين وأطروحاتهم على ضرورة إعادة ترتيب المصحف الشريف ترتيبا جديدا، وإن وقع الخلاف في طريقة ذلك ووسيلته، فهذا هنري ماسيه يقول:" إن هذا الترتيب الإصطناعي الذي تبناه زيد ورفاقه لا يستطيع أن يرضي النفوس المفكرة"[51].
وعدَّ سيمون المستشرق الفرنسي جاركاي Simon Jargy القرآن الكريم كتابا فوضويا متناقضا، وعلى هذا الأساس قال:" لابد من قراءة القرآن معكوسا بمعنى نبدأ من الأخير"[52].
ومع ما بذله المستشرقون من جهود مضنية في سبيل ترتيب القرآن الكريم ترتيبا نزوليا ، إلا أن من أنصف منهم اعترف بصعوبة الوصول في هذا الأمر إلى نتائج مرضية، تحظى بقبول العلماء المسلمين[53]، أو يكون لها قسط كبير من الدقة[54].
المبحث الثاني:
آراء التغريبيين الحداثيين بخصوص جمع المصحف الشريف
نشأ في بلاد العروبة والإسلام في مطالع القرن العشرين جيلٌ من المثقفين الذين أُعجبوا بمناهج البحث في العلوم الإنسانية التي نبتت في الغرب، فحاولوا إسقاطها على القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية، نازعين بذلك القداسة عن حياضهما، سالبين احترام المسلمين لهما، ولقد سُمِّي هذا التيار الناشئ من المثقفين العرب والمسلمين بالتيار التغريبي الحداثي أو العلماني في فهم القرآن الكريم فهما جديدا، وأخرج أصحابه والمتبنون لآرائه وأطروحاته جملةً من الدراسات والبُحوث التي توضِّح رأي هذا الإتجاه في القرآن الكريم.
المطلب الأول:
القرآن الكريم في تصور التيار التغريبي الحداثي
جاهد التيار العلماني الحداثي في الوطن العربي في أن يغير نظرة المسلمين عن القرآن الكريم، فينزع عنه القداسة التي اكتسبها طيلة تاريخ الإسلام ، سالبا منه مصدريته الربانية، مضفيا عليه أوصافا تلحقه بالأعمال البشرية.
فهذا نصر أبو زيد يقول مبررا سبب عدم قدرة البشر على فهم النصوص الدينية فهما حقيقيا:" إن القول بإلهية النصوص والإصرار على طبيعتها الإلهية تلك يستلزم أن البشر عاجزون بمناهجهم عن فهمها ما لم تتدخل العناية الإلهية بوهب بعض البشر طاقات خاصة تمكنهم من الفهم، وهكذا تتحول النصوص الدينية إلى نصوص مستغلقة على فهم الإنسان العادي ـ مقصد الوحي وغايته ـ وتصبح شفرة إلهية لا تحلها إلا قوة إلهية خاصة...".[55]
واختلفت نظرة العلمانيين من الحداثيين المعاصرين إلى القرآن الكريم تعريفا به، وفهما له، فكان من ذلك جملة من التعاريف منها، تعريف محمد أركون الذي يقول فيه " القرآن مجموعة محدودة ومفتوحة من نصوص باللغة العربية، يمكن أن نصل إليها ماثلةً في النص المثبت إملائيا بعد القرن4/ 10 "[56].
والقرآن الكريم عند محمد عابد الجابري :" وحي من الله حمله جبريل إلى محمد بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب الرسل الأولين[57]"، وهذا التعريف وإن كان ظاهره السلامة، فإن باطنه فيه دخنٌ، إذ أغفل منه كون القرآن معجزا متواترا متعبدا بلفظه، ولقد علمَ الجابريُّ أنه إن أورد هذه القيود في تعريفه للقرآن الكريم، فإن ذلك ناقضٌ عليه ما سوف يبنيه من آراء بعدُ حول نقل القرآن وجمعه في مصحف جامع كما سوف نذكره بعد حين.
والجابري يغلو في الوحي (القرآن الكريم )فيَعُدُّ ما يسميه: الظاهرة القرآنية ـ تجربةً روحية خاضها محمد .[58]
ولما عدَّ الحداثيون المعاصرون القرآن الكريم نصا كبقية النصوص البشرية، بادروا إلى دراسة كل شي متعلق به تاريخا وعلوما، ووضع ذلك على محك النقد والتشكيك، يقول محمد أركون في هذا الصدد:" :" نحن نريد للقرآن المتوسل إليه من كل جهة والمقروء والمشروح من قبل كل الفاعلين الاجتماعيين المسلمين مهما يكن مستواهم الثقافي وكفاءتهم العقائدية، أن يصبح موضوعا للتساؤلات النقدية، والتحريات الجديدة المتعلقة بمكانته اللغوية والتاريخية والأنتروبولوجية والتيولوجية والفلسفية نطمح من جراء ذلك إلى إحداث نهضة ثقافية عقلية وحتى إلى ثورة تصاحب الخطابات النضالية العديدة من أجل أن تفسِّر منشأها ووظائفها ودلالاتها، ومن ثمَّ من أجل السيطرة عليها".[59]
ولقد اتفقت أطروحات العلمانيين من الحداثيين على أنه يجب تعريض القرآن الكريم للنقد، إعادةً للنظر في تاريخ جمعه، وتقليبًا للرأي في طريق نقله ووصوله، وتسليطًا للأضواء الكاشفة على تشكليه في مصحف إمام جامع يمثل النص الديني عند المسلمين.
ولعل محمد أركون هو أحسن من يمثل هذه النظرة العلمانية للنص القرآني عندما يصرح بصوت عال، غير هياب ولا وجل قائلا:" ينبغي أولا إعادة كتابة قصة تشكُّل هذا النص بشكل جديد كليا، أي نقد القصة الرسمية للتشكيل التي رسخها التراث المنقول نقدا جذريا، وهذا يتطلب الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية التي أتيح لها أن تصلنا سواء كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني، هكذا نتجب كل حذف ثيولوجي لطرف ضد آخر، المهم عندئذ التأكد من صحة الوثائق المستخدمة، بعدها نواجه ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق، وإنما أيضا محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخرا...هكذا نجد أنفسنا أمام عمل ضخم من البحث وتحقيق النصوص الذي يتبعه فيما بعد- وكما حدث للأناجيل والتوراة – إعادة قراءة سميائية ألسنية للنص القرآني، إن المنهج الألسني رغم غلاطته وثقل أسلوبه، يمكنه أن يحررنا من تلك الحساسية التقليدية التي تسيطر على علاقتنا البسيكولوجية بتلك النصوص".[60]
ولقد اتجهت هذه الجهود المبذولة إلى محطات معينة في تاريخ جمع المصحف الشريف منها:
ـ جمع القرآن الكريم في عهد النبوة.
ـ جمع القرآن الكريم على عهد الصديق.
ـ جمع القرآن الكريم على عهد عثمان بن عفان.
وفيما يلي عرض ٌ لأهم آراء العلمانيين من الحداثيين المعاصرين بخصوص جمع المصحف الشريف:
المطلب الثاني
موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد النبوة:
يذهب أكثر العلمانيين من الحداثيين التغريبيين إلى أن القرآن الكريم لم يكن مدونا مكتوبا في عهد المنزَل عليه ، وأنَّ الكتابة كانت بعد ذلك، في القرن الرابع الهجري، ولاريب في أن كتابا لم يكتب إلا بعد وفاة النبي الذي جاء به بقرون متطاولة، سيكون فيه سقط وتحريف وزيادة ونقصان.
فهذا الطيب تيزيني يقرر أنه" لم يجمع القرآن في مصحف إلا بعد موت الرسول ببضع سنين،وذلك بمبادرة أولى صدرت عن عمر بن الخطاب، بصيغة اقتراح طرحه على أبي بكر، الخليفة في حينه، مما يعني أنه في حياة محمد لم يكن هنالك شيءٌ حاسمٌ على الأقل، من هذا القبيل"[61].
كما يقرر طيب تيزني أيضا أن" هذين النسقين الدينيين أي القرآن والحديث ـ ما كانا منذ البدء نصين مكتوبين، بل مراَّ كلاهما بمرحلة القول الملفوظ المتداول شفهيا عن طريق العنعنة، وهذا يعني أنهما خضعا لعملية مركبة من حالة الخطاب الحر المرسل إلى حالة الخطاب المنصص المفقه المكتوب مما يفضي بنا إلى مواجهة السؤال التالي: كيف لنا في تلك الحالة الأولى من الخطاب المرسل غير المكتوب أن نتبين ما حدث على صعيد عملية التناسخ والتوالد التي اخترقت النسقين المعنيين...هذا أولا، وأما ثانيا ـ وفي حقل انتقال هذا القول الأخير إلى نص مفقه مكتوب ـ فإن السؤال الآخر التالي يبرز ملحاحا بأهمية خاصة: ما الذي افتُقد وما الذي اكتسب في سياق تحول ذلك الخطاب الملفوظ إلى هذا الخطاب المكتوب؟؟ وثالثا وأخيرا يفصح السؤال عن نفسه: ما النتائج التي قد تواجهنا في تناول ما قد يعترضنا من التضاريس والإحداثيات والتدقيقات والإضافات والتصحيفات والإختراقات الإيديولوجية والتنسيقات والتحقيقات المعرفية التي يعتقد أنها رافقت عملية جمع القرآن وكتابته حتى القرن الحادي عشر الميلادي".[62]
ويبرر هشام جعيط لمَ لمْ يُكتب القرآن الكريم في فترة مبكرة فيقول:" ...والقرآن بذاته لم يكن مكتوبا، بل هو أثر شفويٌّ، وأراد لنفسه ذلك وعاب على اليهود أنهم يخطُّون الكتاب بأيديهم، والمفترض أنَّ التوراة ـ الشريعة أثرٌ شفوي، ويقول القرآن:" لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه"، كما يقول في مقام آخر:" سنقرئك فلا تنسى"[63].
ويتردد الأمرُ نفسُه في كتابات حداثية معاصرة تُسْلم إلى النتيجة التي تبرز القرآن الكريم في مصحف الإمام غير مكتمل وليس هو النص الموحى به، المنزل على محمد ، وذلك ما نجده عند محمد أركون عندما يعقد مقارنة ظالمة جائرة بين القرآن والتوراة والإنجليل في كون الجميع نقل شفويا ثمَّ إنها كُتبت بعد دهر، فيقول:" ...أعود إلى أهمية التفريق بين مرحلة الخطاب الشفهي ومرحلة الخطاب المدون أو المكتوب، وأقول بأنه يتيح لنا أن نلقي إضاءات جديدة ليس فقط على النص القرآني، وإنما أيضا على كل النصوص الدينية التأسيسية الأخرى كالتوراة والأناجيل، فهي أيضا لم تكتب إلا بعد مرور فترة على وفاة موسى وعيسى...إن الإنتقال من مرحلة الخطاب الشفهي إلى مرحلة المدونة النصية الرسمية المغلقة، لم يتم إلا بعد حصول الكثير من عمليات الحذف والإنتخاب والتلاعبات اللغوية التي تحصل دائما في مثل هذه الحالات، فليس كل الخطاب الشفهي يدون، وإنما هناك أشياء تًفقد أثناء الطريق"[64].
المطلب الثالث:
موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق.
أولى العلمانيون من الحداثيين المعاصرين قصة جمع القرآن الكريم على عهد أبي بكر الصديق عناية فائقة، فأضفوا عليها من تصوراتهم ما قد يجزم من خلاله الواقفُ على كلامهم في ذلك أنهم طاعنون في هذا الجمع المبارك لهذا المصحف الشريف.
وأكثرُ ما كانت مطاعنُ العلمانيين من الحداثيين المعاصرين موجهةً إلى تفاصيل هذا الجمع المبارك وأخباره المتعلقة بحيثياته وما قد احتف بذلك من وقائع، ولقد رأى العلمانيون في هذه التفاصيل المنقولة في هذا الجمع" ثغرات واختراقات كبرى وصغرى، أو إشكالات أومشاكل[65] وصعوبات اعترضت عملية جمع النص القرآني، كما هو واضح من كلام طيب تيزيني:" ...أما الناتج الثاني فقد تجسد في الثغرات الكبرى والصغرى التي ألمت بمتون القرآن والحديث، حين بدئ في فترات مختلفة بجمعها نصا مكتوبا، وقد يتضح هذا الأمر إذا وضعنا في الحسبان جموع القراء والمحدثين والحفظة الذين سقطوا في المعارك الأولى بين المسلمين وخصومهم، وخصوصا في تلك التي دارت ضد المرتدين بعد موت محمد، ومن الأهمية الخاصة بمكان ملاحظة أن عملية جمع القرآن...تعرضت بحسب بعض الكتابات الإسلامة، ومنذ بدئها تقريبا لاختراقات مَتنيَّة لعلها لم تكن عارضة ولا طفيفة..."[66].
ومن الثغرات التي يقف عندها طيب تيزيني بزعمه في جمع أبي بكر، ما قد ذكره معلِّقا على قول زيد بن ثابت:" فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره" ـ :" إن زيد بن ثابت هنا يعلن أنه أقرَّ ما وجده عند أبي خزيمة الأنصاري من القرآن، بالرغم من أنه لم يجد ذلك عند غيره، أي إن زيدا انطلق في هذا الإقرار بإمكانية منح المصداقية الوثيقية لمحدِّث ما، دون شاهد يشاركه الرأي فيما يقول به، فإذا كان ذلك ممكنا، فلماذا رفض زيد أخْذ ما كان لدى عمر بن الخطاب، وهو آية الرَّجم، تلك الآية التي كانت بحوزته هو وحده؟؟ !!".[67]
إنَّ الغاية من وراء التشكيك في جمع أبي بكر الصديق هو الوصول إلى قناعة يُستفاد منها، أن مجموعات من النصوص القرآنية قد سقطت أثناء الجمع، أو تُنوسي أمرها وأهمل حالها فلم تكن ضمن الجمع الأول والثاني، وهذا ما صرَّحت به عباراتُ هؤلاء العلمانيين من الحداثيين المعاصرين، كالدكتور نصر حامد أبو زيد الذي يحاول ربط مسألة النسخ بقضية جمع القرآن الكريم من قِبل أبي بكر الصديق قادحا في قيمة هذا الجمع ـ قائلا:" ...والإشكالية الثانية، هي إشكالية جمع القرآن في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، والذي يربط بين النسخ ومشكلة الجمع ما يورده علماء القرآن من أمثلة قد توهم بأن بعض أجزاء النص قد نسيت من الذاكرة الإنسانية"[68].
المطلب الرابع:
موقف الحداثيين من جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان.
كان تصور العلمانيين للعمل الرائع المبارك الذي قام به عثمان بن عفان تجاه القرآن الكريم، تصورا طافحا بالشبهات والأراجيف، التي تُذهب الثقةَ من المصحف الإمام الذي جمع اللهُ به الأمةَ على قرآن واحد اشتمل على عدة قراءات، حتى عُدَّ هذا الجمع المبارك من قِبلهم " عملا خطيرا " [69]لأنه كما يقول علماني معروف " ضيع الإنسان المسلم...لأنه جعل منه إنسان النص، إنسان النقل لا العقل، إنسان الحرف لا الروح[70]".
ويمكن تتبع شبهات هؤلاء العلمانيين على هذا النحو:
أولا: التباكي على ما قد حصل للمجموعات الفردية من النسخ الشخصية للقرآن الكريم: يقول محمد أركون مبديا سخطه على صنيع عثمان في جمعه الأمة على قراءن واحد، ونبذه لبقية المصاحف الشخصية ـ:" لقد نجم عن جمع عثمان عددا ـ كذا ـ من القراءات المؤسفة ـ كذا ـ : القضاء على المجموعات الفردية السابقة، وعلى المواد التي كانت بعض الآيات قد سجلت عليها، التعسف في حصر القراءات في خمس، حذف مجموعة ابن مسعود المهمة جدا، وهو صحابي جليل..."[71].
ثانيا: تأويل تصرفات عثمان في جمع المسلمين على مصحف إمام على نحو شاذ غريب: فمن ذلك تفسير صنيع عثمان في تحريقه المصاحف بأنه أراد من خلاله الحفاظ على الوحدة والهيمنة الدينية، وممن يرى ذلك ويتبناه طيب تيزيني الذي يقول:" ...ومن الملاحظ أن تلك الظروف التي أحاطت بعملية جمع القرآن في مصحف واحد، وتحريق ما تبقى من المصاحف، كانت تشير إلى أن عثمان ربما كان يهدف من وراء ذلك تحقيق أمرين اثنين: الأول: تمثلَ في الحفاظ على الوحدة الدينية الأيديولوجية للمسلمين في الدولة الفتية المتعاظمة، حتى لو تم ذلك على أساس نصٍّ قام على أنقاض نصوص انتهى بها الأمر إلى الطبخ....أما الثاني فقد تجسد في الطموح إلى الهيمنة الدينية الأيديولوجية السلطوية للطبقة الإجتماعية الجديدة الناهضة، التي استقت قياداتها من بني أمية المناهضة قبليا لبني هاشم[72]".
ويُفصح طيب تيزيني عن هذا التأويل بوضوح عندما يقول:" ...عملية جمع القرآن نفسها خضعت للمصالح المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا....فالسلطة السياسية والدينية الأيديولوجية بعثمان على رأسها، عملت جهارا دون غمغمة على صوغ شرعيتها النصية، إضافة إلى مشروعيتها الإجتماعية من خلال الإستحواذ الصريح على النص الديني الأم كاملا في يدها...وإذا انطلقنا الآن من تلك الوضعية التاريخية باتجاه مسألة التكليف بجمع القرآن من قبل عثمان، فإن المشاكل المترتبة على إنقاص القرآن وزيادته تغدو قابلة للفهم، على الأقل في بعض أوجهها..[73]".
ويتردد الأمر ذاته عند د/ نصر أبو زيد عندما يقول:" ...ولا نغالي إذا قلنا إن تثبيت قراءة النص الذي نزل متعددا في قراءة قريش كان جزءا من التوجه الأيديولوجي للإسلام لتحقيق السيادة القرشية".[74]
ثالثا: الجزم بأن مصحف الإمام لا يحتوي على كل المنزل على محمد يرى أغلب العلمانين من المعاصرين أن المصحف الإمام ليس هو القرآن الموحى به إلى محمد بن عبد الله ، " فمن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه، زمن عثمان أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين " كما يقول الجابري،[75] وتخيَّل طيب تيزيني صورةً ظنَّها حقيقية لما كان يجري أثناء مباشرة اللجنة العِلمية لعملية الجمع زمن عثمان  ، فأوجز القولَ فيها على هذا النحو:" هناك اتجاه صريحٌ لجأ إليه فريقٌ أو آخر لتعديل هذه الآية أو تلك، أو لإبعاد واحدة دون أخرى، أو إضافة واحدة من قبل البعض أهملها بعضٌ آخر، أو لزيادة سورة أو أكثر، أو لإنقاص سورة أو أكثر..."[76] !!!.
ويزعم طيب تيزيني أن هناك قراءتين للمتن القرآني تدل إحداهما على اختراق النص القرآني، قراءة تقليدية وقراءة حديثة، وينبري لبيان كل واحدة منهما قائلا:" ...القراءة الأولى ترفض كل ما من شأنه المس بفكرة تمامية المتن القرآني حفاظا على الوحدة الإسلامية...في حين تلحُّ القراءة الثانية على فكرة أن المتن المذكور تعرض عفوا أو بنية سيئة لتغيير معين، إما بسبب نزاعات سلطوية أخضعت القرآن وظيفيا لاحتياجاتها، مثال عثمان وابن مسعود، وإما لأن الكلام القرآني ليس كلام الله، مثال المعتزلة والأشاعرة".[77]
رابعا: ادعاء وجود أخطاء نحوية وإملائية في المصحف الذي أجمعت عليه الأمة: تعلق العلمانيون من المعاصرين الحداثيين بكل ما شأنه أن يقدح في المصحف الإمام، من حهة اللغة والرسم، فتشبتوا بجملة من المواضع التي قد يشكل حالها، وتُرى بادي الرأي من السَّقط النحوي، أو الغلط الإملائي، فأجلبوا بذلك وأرجفوا، وقاموا فيه وقعدوا، فمن ذلك ما ذكره الصادق النيهوم في قوله تعالى:" واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"،[78] من أن الأية:" نص يسخره الفقه لمنح الرجل حق استعمال القوة ضد زوجة لا تطيق الحياة معه..."، ثم قال:" فكلمة اضربوهن إذا كتبت من غير نقاط، وبالخط المستمد من شكل الأبجدية الآرامية التي يتشابه فيها حرف الضاد مع العين، وحرف الراء مع الزاي، بحيث تبدو مثل كلمة اعزبوهن التي تلائم سياق النص على المقاس، والعزبُ في اللغة هو هجران البيت والمرعى، ومنه عزب الرجل عن أهله، أي غاب..." ثم يخلص النيهوم إلى أن " النص القرآني لا يوصي بضرب المرأة كما توحي القراءة المغلوطة، بل يتقدم بثلاثة حلول لمشكلة النشوز...إسداء النصح للمرأة...هجرانها في الفراش...الإنفصال عنها من دون طلاق..".[79]
المطلب الخامس: آراء الحداثيين بخصوص ترتيب السور في المصحف الشريف
وإنما أفردنا هذه المسألة هنا بالذِّكر وإن كانت بادي الرأي تبدو غير داخلة في هذا المبحث، لسببين اثنين:
الأول: من لوازم الجمع ونتائجه وثمراته، ترتيب السور في المصحف، ووضع سورة إلى جنب سورة أخرى.
الثاني: هناك آراء هامة في ترتيب السور في المصحف من قبل العلمانيين من الحداثيين المعاصرين، يجدر بالباحث أن يقف عندها دراسة وتحليلا.
ومن هذه الآراء، رأيُ د/ محمد عابد الجابري الذي اختار إعادة ترتيب سُور القرآن الكريم وفق أسباب النزول ومسار الدعوة المحمدية، ولْندَعِ الجابريَّ يُفصح عن هدفه من خلال هذا العمل، قائلا:" إن الهدف عندنا من الترتيب حسب النزول هو التعرف على المسار التكويني للنص القرآني، باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية[80]".
ويبرر الجابري إعادة ترتيب سور القرآن الكريم وفق ترتيب نزولها بقوله:" لقد كان طبيعيا لكل من يريد فهم القرآن أو استنباط أحكام منه تُغطِّي المستجدات، أن يشعر بالحاجة إلى معرفة ما اصطلح عليه بـ: أسباب النزول" الأمر الذي يقتضي ترتيب السور حسب نزولها"[81].
ومع إقرار الجابري بصعوبة الإقدام على مثل هذا العمل لأن أسباب النزول وما ورد فيها من أخبار قليل جدا[82] ، إلا أنه شرع فيه ورتَّب المصحف الشريف ترتيبا جديدا.[83]
المبحث الثالث:
تقويم منهج المستشرقين والحداثيين في تناول مسألة جمع المصحف الشريف

للناظر في دراسات المستشرقين والعلمانيين بخصوص مسألة جمع المصحف الشريف أن يلاحظ أن الطائفتين تصدران عن رؤية ومنهاج متحديْن مع اختلاف قد يكون يسيرا حفاظا على خصوصية كل طائفة.
المطلب الأول:
تقويم منهج المستشرقين في دراسة جمع المصحف الشريف
ففيما يتعلق بدراسات المستشرقين حول تاريخ المصحف الشريف، نلاحظ ما يلي:
1/ هفوات في منهج الدراسة والتحليل: ذلك أن الإستشراق تشبَّت بكل خبر مسعف في ترسيخ قناعته التي تؤكِّد بشرية القرآن الكريم، سواء أكان هذا الخبر صحيحا أم غير صحيح، بل إن كثيرا من الأخبار الضعيفة والموضوعة كانت موضع عناية من قِبل طبقات المستشرقين القائلين في المصحف الشريف قولا عظيما، ذلك" أن إهمال بعض مصادرنا القديمة هذا الأمر، وعدم تنبه مؤلفيها إلى خطورة إيراد هذه الروايات، والأحاديث الدالة على تناقضات كبيرة بشأن جمع القرآن، وإعراض علماء المسلمين ومفكريهم المعاصرين عن تناول هذا الموضوع ومعالجته بموضووعية تامة، خوفا من حساسيته، كلُّ هذا قد جعل الباب مفتوحا أمام المستشرقين ليناقشوا ويحللوا ويصرحوا بكل ما يتوافق وفكرهم الإستشراقي، البعيد عن مسلَّمات العقيدة الإسلامية، وفي أهمِّ وأقدس ما يرتبط بنا لكوننا مسلمين".[84]
ومن هفوات المنهج عند الإستشراق الخلط بين مفاهيم ومدلولات بعض المصطلحات المستعملة في مصادرنا الإسلامية، فمثلا " إن عدم وضوح مفهوم جمع القرآن لمؤلفي المصادر القديمة ورواة الحديث أدى بهم إلى الخلط تحت هذا العنوان، ونُسب هذا الدورُ المهمُّ إلى أسماء معينة من الصحابة، فظهرت روايات منها من يقول إن الخليفة الأول أبا بكر هو أول من جمع القرآن، ومنها أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو أول من جمع القرآن، ومنها من يقول إن الخليفة الثالث عثمان بن عفان هو أول من جمع القرآن، ومنها من ينسب الجمع الأول إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومنها من يقول بأن سالما مولى حذيفة هو أول من جمع القرآن، وهكذا وفرت هذه الروايات الفرصة لخيال المستشرقين بأن يقول أحدهم بأن الحجاج بن يوسف الثقفي هو أول من جمع القرآن؟ !!".[85]
ومن القصور المنهجي الواضح في كتابات المستشرقين حول القرآن الكريم تأريخا وتفسيرا، انطلاقه من" مسْبقات فكرية ومحاولة الإستدلال عليها بأي شيء كيفما كانت حالته العلمية، المهم أن يخدم الغرض الذي من أجله أثير ذلك الموضوع القرآني"[86].
كما أن من مظاهر الخلل المنهجي في دراسات المستشرقين لتاريخ القرآن الكريم، وحدوث المصحف الشريف، " تحريف دلالات الوقائع التاريخية والإنحراف في تعليلها، ويتمُّ لهم ذلك أحيانا بتحكيم مفاهيم البيئة الغربية على الرغم من فسادها في تفسير النصوص والوقائع التاريخية"[87].
ومن مظاهر القصور المنهجي فيما كتبه المستشرقون حول تاريخ المصحف الشريف، أنهم " يرمون بأنفسهم في مغامرة طرح فرضيات خطيرة وخاطئة يعتقدون أنهم أول من توصل إليها، دون تكليف أنفسهم عناء التقصي لدى تلك المصادر عن نفس المعضلات التي يثيرونها".[88]
2/ فساد المعتقد وسوء القصد: لايخفى أنَّ فساد مُعتقد الدارس لمسائل العلم وقضاياه، يؤثر على نتائج بحثه سلبا وإيجابا، وقبولا وردا، ولما كان المستشرقون فاسدي المعتقد عند مباشرة البحث في القرآن الكريم تاريخا وتفسيرا، ارتكبوا حماقات ووقعوا فيما لاتحمد عقباه من نتائج زعموا أنها علمية وحقيقية، وتمتاز بالنزاهة والموضوعية، " ومردُّ هذا الفساد تعصُّبهم لمللهم ونحلهم، لذلك عميت بصائرُهم عن إدراك دلائل ربانية القرآن، ومن ثمَّ نظروا إلى كتاب الله باعتباره جزءا من تراث الأمة التي ينتسب إليها".[89]
وكانت مقاصد إقبال المستشرقين متحدةً تصُبَّ في منحى واحد واتجاه معروف، وهو إثباب أن هذا المصحف الذي بين أيدي الناس اليوم ليس موحى به من قِبل السماء، وإنما هو نتاج واقع بدوي، وابن بيئة صحرواية في أرض الحجاز، بين شعاب مكة ودروب المدينة.
3/ الجهل باللسان العربي وعلومه وآدابه: " إذ أنَّ مشاهير المستشرقين لا يحسنون الحديثَ بالعربية، ولا استظهار شيءٍ مكتوبٍ بها رغم أنهم عاشوا بين المتكلمين بهذا اللسان خلال فترة الإستعمار"[90]و" عدم إتقان اللغة العربية، أدى إلى وضع النصوص في غير مواضعها، وتحميلها ما لا تحتمل، وقد أدى ذلك إلى فقدان شروط البحث العلمي في كتاباتهم"[91].
4/ شعور المستشرق بتذبذب منهجه، وقصور تحليله، وضحالة نتائج بحثه: وهذا الشعور غذَّاه إحساس من الإحباط قد يصاب به المستشرق الذي يحدد له هدفا مسبقا من البحث في تاريخ القرآن الكريم، ولا تسعفه المعلومة الدقيقة، ولا التحليل الموفَّق في الوصول إلى ذلك الهدف بنتائج حاسمة قاطعة ، ولعل أوضح ما يجلي هذه الحقيقة ما نُقل عن المستشرق الألماني ثيودور نولدكه صاحب كتاب تاريخ القرآن، من أنه سئل وقد شارف على التسعين ـ إن كان يشعر بالندم لأنه لم يعكف على دراسة علمٍ يعود بالفائدة العملية على البشر، فأجاب: إذا كان من ندمٍ فلأنني درستُ علوما لم أظفر منها في النهاية بنتائج حاسمة قاطعة".[92]
المطلب الثاني: تقويم منهج العلمانيين من الحداثيين في دراسة جمع المصحف الشريف
لقد اعتقدت هذه الطائفة من الكتاب العلمانيين المعاصرين أنها تحاول قراءة الوحي قراءة جديدة، مغنية بنفسها عن غيرها، مناسبة لروح العصر، محدِثةً ثورةً في المفاهيم والتصورات، مغيرةً دينها بدين جديد مستورد لا يمت إلى دين الجماعة المؤمنة بصلة، ومن أجل الوصول إلى هذه الغايات التي سطرتها هذه الطائفة قذفت في الساحة الإسلامية بجملة من الكتب التي تدور موضوعاتها حول الكتاب والسنة، متجرئة عليهما بالأباطيل، تشكيكا فيهما وقدحا في مقدارهما ونيلا من منزلتهما، بيْد أنه بتأمل أعمال هذه الطائفة حول تاريخ المصحف الشريف تقويما لها عنَّت الملاحظات التالية:
1/ الجرأة على القرآن الكريم والقول فيه بقول منكر عظيم: لما اعتقد كثيرٌ من العلمانيين المعاصرين بأنَّ القرآن الكريم من عمل بشرٍ، جرَّأهم ذلك على معاملته نصا كبقية النصوص البشرية، التي دُعيت أثرا أدبيا، أو تراثا بشريا، فبادروا إلى انتقاد القرآن الكريم تاريخا ومعانيَ وأحكاماً وتشريعاتٍ، معتقدين أن لهم الحق في ممارسة مهمة صعبة بحسب تعبير محمد أركون وهي " القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس..".[93]
وبما أن القرآن الكريم لايخرج عن كونه نصا، كما يقول نصر حامد أبو زيد،" فلذلك يجب أن يخضع لقواعد النقد الأدبي كغيره من النصوص الأدبية"[94] لأنه وإن كان مقدسا[95]، فهو " نص أدبي رفيع، وأثر فني رائع، من هنا تصح مقارنته بالشعر"[96] .
2/ محاولة نزع الثقة من القرآن الكريم: لما بحث العلمانيون المعاصرون في تاريخ تشكُّل المصحف الشريف تدوينا وجمعا، وطرحوا سيلا جارفا من الشبهات بين يدي ذلك، كان من مقاصدهم زعزعة ثقة المسلمين بالكتاب الذي ظل يحكم حياتهم مذْ أن نزل على قلب رسول الله ، والتشكيك في كون مصدره من عند الله جلَّ وعلا، ولقد ركب العلمانيون في سبيل الوصول إلى هذا الغرض المدخول، والهدف المشبوه، الصعب والذلول، فأرجفوا بكل خبر ساقط وجدوه مرويا في مصدر تالف، ألفه هالكٌ ابن هالك،
حتى إن كبراءهم وقع في أخطاء تاريخية ومنهجية، كالجابري وأركون.[97]
3/ حاول بعضُ الحداثيين من المعاصرين أن يستعمل منهجا عقلانيا في التعامل مع وقائع وأخبار جمع المصحف الشريف، كالجابري الذي بدا في حديثه في الفصل التاسع من " مدخل إلى القرآن الكريم " عما عنون به:" جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان" ـ هادئا متزنا غير معترض على المقرَّر في علوم القرآن بخصوص تاريخ جمع القرآن، بيْد أنه طرح جملة من الأسئلة المتعلقة بما سماه التكوين ـ يعني تكوين القرآن الكريم ـ ثم قال:" صحيح أن جميع هذه الأسئلة وما في معناها قد طرحت قديما، إما من طرف المفسرين أو المتكلمين أو الأصوليين والفقهاء....غيرَ أن الآفاق التي طرحوها فيها وبالتالي الأجوبة التي قدَّموها، كانت محدودة بحدود معهود زمنهم الفكري والإجتماعي والحضاري العام...وبما أن عناصر كثيرة من ذلك المعهود قد تغيرت، خاصة على المستوى العلمي والفكري والإجتماعي، فإنه لابد أن تفقد بعض الأجوبة التي كانت صادقة في المعهود القديم شيئا قليلا أو كثيرا من مبررات صدقها مع الزمن..."[98].
4/ سلك بعض الحداثيين من العلمانيين سبيل التدرج في طرح أفكارهم ونظرياتهم الجديدة بخصوص القرآن الكريم تاريخا ومعاني، ذلك أولا لأنَّ أفكارهم صادمة، وصارخة، وقد تُحْدِثُ الرجة [99]أو الزلزال، وثانيا لأن نفوس بعض المؤمنين غير مستعدة للفهم والإدراك، ولأنه يجب الإبقاء على الإتصال بالعرب المسلمين كما يقول محمد أركون.[100]
لكن " ما قيمة البحث العلمي إذا تدخلت فيه الحسابات الشخصية، والمناورات السياسية؟؟".[101]
5/ الأثر الإستشراقي واضح فيما كتبه العلمانيون من الحداثيين المعاصرين حول تاريخ جمع المصحف الشريف، إذكانت بحوث ودراسات ومناهج كثير من المستشرقين حاضرةً في دراسات العلمانيين، ولقد صرح بذلك بعضُ أصحاب هذه الدراسات مثل محمد أركون الذي ينوِّه بمنهج المستشرقين قائلا:"...فهم يقارعون
المسلمات والفرضيات الإسلامية باليقين العلموي scientiste[102] ولعل أعمال هشام جعيط فيما نحين بسبيله من كلام على تاريخ المصحف الشريف[103]، وأعمال طيب تيزيني أيضا تكون خير شاهد على الأثر البليغ للإستشراق في توجيه هذه الأعمال، ومدِّها بالأفكار الجريئة، والأسئلة المستفِزة، والآراء الصادمة.
" وبعض هؤلاء ـ العلمانيين ـ وإن لم يصرِّح علانية بالتأثر وهو لن يفعل ذلك، فظاهرٌ من آرائه بخصوص القرآن الكريم وتفسيره أنه صادرٌ عن خلفية استشراقية كحال محمد عابد الجابري الذي كشف النقدُ لمدخله إلى القرآن الكريم بروزَ الأثر الإستشراقي في ثناياه"[104].
الخاتمة
لم يكنِ الشرقُ الإسلاميُّ في دينه وحضارته ببعيد عن عناية المستشرقين الذين أقبلوا عليه دراسة وتحليلا، وكان أشدَّ ما لَفتَهُم إليه دينُه الذي جمع شتاته، وألَّف قلوُب أهله، وجعلهم يملأون الأرضَ عدلا ونورا بعد مُلئت ظلما وجورا، لقد لاحظ الإستشراق الغربي بمختلف مدارسه أن هذا الشرق الإسلامي ما نهض ولا استفاق، ولا كوَّن دولة وحضارة، إلا بأن اجتمعت كلمته على القرآن الكريم، ونبعت حضارته من هذا النور المبين والسراج المنير، ففوَّق إليه سهامَه، ووجَّه إليه أنظارَه ورماحَه، فكان من ذلك دراساتٌ استشراقيةٌ قرآنية، تُعنى بالقرآن الكريم من جهات محتلفة، وزوايا متعددة، بيْد أنَّ الذي أخذ من ذلك حظا عظيما وقسطا وفيرا، جهة ثُبوت هذا القرآن العظيم، ونَُقل هذا الكتاب الكريم، إذْ رأى الإستشراقُ ـ بدهائه وذكائه ـ أنَّه إذا سقطَ هذا الكتاب المقدَّس عند المسلمين من هذه الجهة، فهو فيما سواها أسقطُ، فركَّز نظره فيها، وأَّلف حولها وعنها، دارسا محللا.
ـ لقد اقتضت دراسةُ مواقف المستشرقين تُجاه جمع المصحف الشريف أنْ يكون مدخل ذلك، عرض تصورهم بخصوص القرآن الكريم، الذي عُدَّ أثرا أدبيا محضا، يمكن إخضاعه لموازين النقد التي تخضع لها الأعمال البشرية، أدبية كانت أم فنية، أو ما اكتتبه محمد  من كتب الأولين، أو ما اخترعه الفقهاء في القرون الهجرية الثلاثة الأولى.
ـ لقد ادعى الإستشراقُ غموضَ قضية تاريخ جمع المصحف الشريف، وضُعفَ الأخبار الواردة في ذلك، وتأخر عناية المسلمين بالجمع والتدوين، ولذلك فقدت من القرآن الكريم فقرات، وسقطت منه آيات، وزيدت فيه أخرى.
ـ أقبل الإستشراقُ على دراسة المصحفِ الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق، فتكلَّم قادحا في كَفاءة زيد بن ثابت ناهضا بما قد كُلِّف به من تتبع القرآن من العُسب واللِّخاف والصُّحف وغير ذلك، وانتقل بعدُ للكلام على الجمع الثاني المبارك الذي كان في عهد عثمان بن عفان، مشكِّكا في نية عثمان فيه، طاعنا في صنيعه لما أحرق بقية المصاحف، قادحا في قيمة المصحف الإمام من جهة رسمه واستيعابه للمنزل الموحى به.
ـ تصدى الإستشراق إلى قضية ترتيب المصحف الشريف، مبديا رأيه بخصوص إعادة الترتيب وفق نزول آي الذكر الحكيم، معللا ذلك بعدة أدلة صححها النظرُ عنده، لكن زيَّفها اعتراضُ كثير من الباحثين الجادين من أبناء المسلمين اليوم.
لقد نبتتْ في العالم الإسلامي بُعيد فترة الإستعمار طائفةٌ من الكُّتاب المتأثِّرين ببحوث ودراسات المستشرقين الطاعنين في القرآن الكريم، فألفت دراسات زعمت أنها تقرأ الكتاب المبين قراءة جديدة، تشمل تاريخه وطريقة كتابته في العهد الأول وجمعه وصيرورته مصحفا يقع في أيدي الناس، فوجَّه الباحثُ نظرَهُ إلى ما كتبتْ هذه الطائفةُ من خلال ما يلي:
ـ بيان نظرة هؤلاء العلمانيين من الحداثيين للقرآن الكريم، وأنه عند بعضهم مجموعة من النصوص، أو تجربة روحية خاضها محمد بن عبد الله ، وأنه لابدَّ أن يكون موضع تساؤلات نقدية، لإحداث طفرة حضارية، ونهضة ثقافية؟؟ !! فلذلك وجب إعادة كتابة قصة تشكُّله مصحفًا يُقرأ ويُرجع إليه.
ـ لقد انتهى البحثُ بالتغريبيين من العلمانيين إلى القول بأن القرآن الكريم لم يكن مدوَّنا في عهد النبي الكريم، وأنَّ جمعه شابتْه شوائبُ أو ثغرات أواختراقات كثيرة في عهد أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان، في طريقة الجمع وحثياته، وضياع نُصوص من القرآن أثناء ذلك، لإحتكار عثمان للجمع، وقصْره أمرَه على مجموعة محصورة من الصحابة، ووجود أخطاء نحوية وإملائية في النسخ المختارة من المصحف الإمام، وعدول اللَّجنة التي أُسند إليها الجمعُ عن الترتيب النزولي للقرآن الكريم .
ـ إنَّ النظرة التقويمية لجهود المستشرقين والتغربيين في مسألة جمع المصحف الشريف، تكشفُ أنَّ الفريقين استقيا المعلومات من معين واحد، وليس ذلك من قبيل التَّوارد أو الصُّدفة، فلقد كشفَ البحثُ الدقيقُ الذي قامت به مجموعةٌ من فُضلاء الباحثين في هذا العصر، أنَّ الإستشراقَ هو الأبُ الشرعيُّ للعلمانية والتغريب في بلاد العُروبة والإسلام، وأنَّ المنهجيْن متقاربان، بل لو قال قائلٌ إنَّ هذا من ذاك لما أبعدَ.
وبعد: فلقد اقتضى النظرُ أن يختتم الباحثُ هذه الدراسةَ بجملة من التوصيات والمقترحات التي تثري الإضافةَ العلمية للموضوع المبحوث فيه، فمن ذلك:
أولا: لقد فرضت الدراسات الإستشراقية بخصوص الدراسات الإسلامية نفسها في ميدان البحث العلمي، بما عقدت من مؤتمرات عالمية، ونشرت من كتب سائرة، وأخرجت من مجلات ودوريات دولية، وأذاعت من موسوعات ودوائر معارف كونية، وجيَّشتْ من قوافل الباحثين المنتشرين في عشرات المراكز الثقافية، من المتصدرين على المنابر العلمية، في الجامعات الأهلية والحكومية، فلاجرمَ إذن من أنْ تُواجهَ هذه الهجمةُ الإستشراقيةُ، بيقظة علمية، ونهضة ثقافية، وذلك بعقد دورات علمية في مراكز البحث من جامعات وأندية، من أجل مدارسة آخر ما يصدره المستشرقون من آراء تخص المصحف الشريف، في المؤتمرات العلمية الحديثة التي مازالت تنعقد بالعشرات في مواضع مختلفة من العالم، ولا علم لأهل الإسلام بما يجري فيها.
ثانيا: لابد من أن يكون الدرسُ الجامعيُّ المعاصر في الجامعات العربية والإسلامية، مشتملا على محاور هامة، من بحوث الإستشراق والتغريب بخصوص الدراسات القرآنية، ولا يكفي أن يعرض ذلك في مباحث باهتة لا تسمن ولا تغني من جوع، تبرز المادة الإستشراقيةُ أو التغريبية على أنها تحمل في طياتها سببَ ضعفها وعدم علميتها، ونعم إنها لكذلك بيْد إنها لمنشرةٌ بين شباب العلم وكباره، تتصدر منابر الإعلام، وتعتلي كراسي المحاضرات والندوات، فكيف تكون الحيلة فيها؟؟ أَبِدرسٍ باهتٍ لا يتغلل في الأسباب والمسببات، ولا يبحث المسائل في جذورها، ولا يولي عنايةً لتفاصيلها وأجزائها؟؟ !!!
وأُخبرُ عن نفسي ذلك أنني تصديتُ لتدريس مادة علوم القرآن لبعض طلبة التخصص، في بعض السنوات الجامعية، وكان المقرر يجري على المعتاد من تدريس هذه المادة على ضوء المصادر القديمة التي أُلفتْ في هذا الشأن، والمراجع الحديثة التي طارت كلَّ مطار، وهي معروفة منشرة بين أيدي الطلبة والأساتذة على حد سواء، وكانت منهجية التدريسِ تسير وفق المعروف المعتاد من عرض المادة شرحا لها وتفصيلا في عناصرها من غير ما ذكْرٍ لسُموم الإستشراق ولا تعريج على آفات الحداثيين من العلمانيين المعاصرين، ولبثنا على ذلك سنين عديدة حتى فاجأنا بعضُ الطلبة الذين اطلعوا على الفكر الوافد، والآخَرُ المستلَب، بتدخلاتهم التي تقطُر سُمًّا، وتطفح شُبها وإفكا، فكنا نحاورهم ونناقشهم، فتارة ننالُ منهم وتارة ينالونَ منا لا من ديننا وقرآننا، فحينئذ جرَّدنا أنفسنا لهذا الشأن، وأخذنا نُراجع خُطط التدريس ومقرراته، وشرعنا في تقرير محاور خاصة بالإستشراق والتغريب والحداثة ومواقف هذه التيارات من مباحث علوم القرآن، فحمدنا السُّرى، وكانت النتائج سارة، وصار الطلبة أكثر إقبالا على المادة لأنها تخاطبهم بما يسمعون في منابر أخرى كالإعلام وغيره، وتكشف العُوارَ، وتزيِّف لهم البهرجَ، وتصحِّح لهم ما بأيديهم،" فأما الزبدُ فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناسَ فيمكث في الأرض"[105].
ثالثا: لابد من أن توجَّه أنظارُ طلبة العلم، ممن يبحث له عن موضوع يكون مدارَ بحثه ودراسته لنيل شهادة جامعية، إلى العناية بدراسة آخر ما تخرجه المطابع من أفكار استشراقية، وأطرحات علمانية تغريبية، بخصوص المصحف الشريف، لأن مجالَ بحثِ ذلك هو الدراسةُ العلميةُ المتأنيةُ، والجهدُ البحثيُّ الملموسُ، الذي تدعمه غَيرةٌ إسلاميَّة متبصِّرة واعية، وكفاءةٌ علمية عاليةٌ، وصبرٌ ومصابرةٌ، مع التَّوفيق الإلهي والفَتح الرباني، إذ بهما يكون الفلَجُ والتأييدُ، والنُّصرةُ والتَّسديدُ.
وأحمد الله على الهداية إلى التوفيق، فهو المحمود المذكور، وولي هذه النعمة المشكور، وأصلي وأسلِّم على الهادي البشير والنبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


مراجع الدراسة
1/ مراجع بالعربية:

آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم دراسة نقدية للدكتور أحمد نصري الطبعة الأولى بلا تاريخ دار الكلام المغرب.
آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقد للدكتور عمر بن إبراهيم رضوان دار طيبة الرياض الطبعة الأولى 1413هـ.
الإتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن دراسة ونقد د/ الفاضل أحمد محمد مركز الناقد الثقافي دمشق الطبعة الأولى 2008م.
الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجة الوسطية نصر حامد أبو زيد سينا للنشر سنة 1992م.
تاريخية الفكر العربي الإسلامي محمد أركون مركز الإنماء القومي بيروت لبنان الطبعة الأولى 1986م.
حصاد العقل في اتجاهات المصير الإنساني للمستشار محمد سعيد العشماوي مؤسسة الإنتشار العربي بيروت الطبعة الثالثة 2004م.
حضارة العرب غوستاف لوبون ترجمة عادل زعيتر طبع مصر 1969 ـ 1970م.
الحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم دراسة نقديةد/ الجيلاني مفتاح دار النهضة دمشق 2006م.
دفاع عن القرآن ضد منتقديه د/ عبد الرحمن بدوي، ترجمة كمال جاد الله، الدار العالمية للكتب والنشر ضمن سلسلة نافذة على الغرب رقم 2.
رؤية نقدية لكتاب السنة والإصلاح للدكتور عبد الله العروي عبد السلام محمد البكاري والصديق محمد بوعلام الدار العربية للعلوم بيروت ومنشورات الإختلاف الجزائر ودار الأمان الرباط الطبعة الأولى 1431هـ.
السنة والإصلاح عبد الله العروي المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب الطبعة الأولى 2008م.
الشبه الإستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم للدكتور محمد عابد الجابري رؤية نقدية عبد السلام محمد البكاري والصديق محمد بوعلام الدار العربية للعلوم بيروت ومنشورات الإختلاف الجزائر ودار الأمان الرباط الطبعة الأولى 1430هـ.
علم التفسير في كتابات المستشرقين للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها المجلد 15 العدد25 شوال 1423هـ.
دائرة المعارف الإسلامية هولندا بريل.
الدراسات القرآنية عند المستشرقين خلال الربع الأول من القرن الخامس عشر للهجرة للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس مجلة البحوث والدراسات القرآنية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف العدد السادس السنة الثالثة رجب 1429هـ.
الفكر العربي محمد أركون ترجمة عادل العوا منشورات عويدات بيروت باريس الطبعة الثالثة / 1985م.
الفكر الإسلامي قراءة علمية محمد أركون منشورات مركز الإنماء القومي بيروت لبنان 1987م.
في السيرة النبوية ...الوحي والقرآن والنبوة لهشام جعيط دار الطليعة بيروت الطبعة الثانية ماي 2000م.
القرآن الكريم من المنظور الاستشراقي دراسة نقدية تحليلية د/ محمد محمد أبو ليلة الطبعة الأولى
دار النشر للجامعات مصر،2002م.

فهم القرآن القسم الثالث محمد عابد الجابري بيروت 2008م.
القرآن الكريم في دراسات المستشرقين دراسة في تاريخ القرآن: نزوله وتدوينه وجمعه للدكتور مشتاق بشير الغزالي دار النفائس الأردن الطبعة الأولى 1429هـ.
قضايا في نقد العقل الديني محمد أركون كيف نفهم الإسلام اليوم دار الطليعة بيروت 1998م.
مدخل إلى القرآن الكريم لمحمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الأولى 2006م.
مذاهب التفسير الإسلاميلجولد تسهيرترجمة د/ عبد الحليم النجار دار اقرأ الطبعة الخامسة 1413هـ.
مفهوم النص نصر حامد أبو زيدالمركز الثقافي العربي بيروت الطبعة الثانية 1994م.
مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه ـ عرض ونقد ـ للدكتور أبو بكر كافي ضمن أعمال ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف سنة 2006م بالمدينة المنورة، المنشورة في عدة مواقع على الشبكة العالمية للمعلوميات.
المستشرقون والقرآن الكريم للدكتور محمد أمين حسن محمد بني عامر دار الأمل إربد الأردن الطبعة الأولى 2004م.
المستشرقون والقرآن ..دراسة نقدية لمناهج المستشرقين عمر لطفي العالم مركز دراسات العالم الإسلامي مالطا الطبعة الأولى 1999م.
المصاحف لابن أبي داود تحقيق أرثر جفري الملحق الإنجليزي مكتبة المثنى بغداد.
نقد الخطاب الديني نصر حامد أبوزيدسينا للنشر القاهرة الطبعة الأولى 1992م.
نقد النص علي حربالمركز الثقافي العربي الطبعة الأولى / 1993م.
النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة الطيب تيزيني دار الينابيع دمشق 1997م.
وحي الله حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة....نقض مزاعم المستشرقين د/حسن ضياء الدين عتر دار المكتبي دمشق الطبعة الأولى 1419هـ.

2/ مراجع أجنبية:

Encyclopédie Générale Larousse grand dictionnaire ; 3ème Tome ; Librairie Larousse ; Paris 1982.
L exégèses du coran ; Claude Gillot ; in Encyclopédie universalis ; Edition de Paris ; 1990.
AL KURAN AT.welch; in Encyclopédie de L islam; Leiden et GP Maisonneuve et Larousse; Paris.
Le Coran que Sais ـ je Ed. 2ème ; presses universitaire de France ; Paris1969.
Le Coran; préface J. Grosjean ; Ed. Gallimard 1967.
Introduction au Coran ; GP. Maisonneuve et Larousse ; Paris 1977.
Islam et Chrétienté ; Jargy Simon ; Publications Orientalistes de France ; 1981.
L Islam ; Masse ; H ; Librairie Arman Colin ; Paris 1940.
Islamologie ; Parea ; FM Imprimerie Catholique ; Beyrouth 1963.


الهوامش 


1- علم التفسير في كتابات المستشرقين للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس ص79 و80.
2 - يقول المستشرق ويلتش محرر مادة قرآن في النشرة الحديثة لدائرة المعارف الإسلامية الصادرة بالفرنسية عام 1981 م في المبحث الذي عنونه بـ:" محمد والقرآن":" ...هناك آيات مدنية تشعرنا بأن محمدا يبحث بفعالية من أجل استقاء معلوماته عن اليهود..وفي هذه المقاطع لا يصعب علينا أن نرى محمدا يأخذ قصصا ومعلومات من مصادر متعددة بخاصة من اليهود والنصارى، ثم يعيد صياغة ذلك في القرآن..." المصدر السابق ص81.
3 -  ممن يقول بذلك المستشرق سنكلير انظر المستشرقون والقرآن الكريم للدكتور محمد أمين حسن محمد بني عامر ص206.
4 -  ممن يقول بهذا القول من المستشرقين جولد تسهير وبلاشير وجون نوس المستشرقون والقرآن الكريم للدكتور محمد أمين حسن محمد بني عامر ص 211.
5 -  يقول كلود جيليو في هذا الصدد:" ...اختلاف مرويات القرآن التي تلقاها أصحاب محمد بخاصة القراءات الشاذة، يرجع في أصله إلى الحاجة لإدراج حواشي وشروح تتضمن تشريعات قديمة لنص لم يتم الإنتهاء من جمعه قبل القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي". انظر:
Claude Gillot L exégèse du coran et les recherches contemporaines in Encyclopédie universalis corpus 6 p548
6 - المستشرقون والقرآن الكريم للدكتور محمد أمين حسن محمد بني عامر ص212.
7  - المصدر السابق.
8 - المصدر السابق ص213.
9- علم التفسير في كتابات المستشرقين للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس ص82.
10 - من هؤلاء المستشرقين شيخهم ثيودور نولدكه في رسالته " القرآن ملاحظات نقدية حول الأسلوب والتركيب".
11-  آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقد للدكتور عمر بن إبراهيم رضوان 1/ 23 وما بعدها من صفحات دار طيبة الرياض بلا تاريخ.
12 - الدراسات القرآنية عند المستشرقين خلال الربع الأول من القرن الخامس عشر للهجرة للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس ص137.
13 -علم التفسير في كتابات المستشرقين للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس ص100.
14 هذا السبب والذي يليه مستفاد من علم التفسير في كتابات المستشرقين للدكتور عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس ص102.
15- Claude Gillot L exégèse du coran in Encyclopédie universalis corpus 6 p547 و
A.T.welch, ALKURAN, in Ency – de L Islam, Tome5 P405- 408.
16- Claude Gillot L exégèse du coran in Encyclopédie universalis corpus 6 p547.
17 - القرآن: نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره بلاشير ص34.
18-  هذه العناصر مستفادة من مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص 4.
19 - دائرة المعارف الإسلامية ص404 عمود ب. 
20 - القرآن الكريم من المنظور الاستشراقي دراسة نقدية تحليلية للدكتور محمد محمد أبو ليلة ص143 و مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص5.
21- سورة الحجر الآية رقم 9.
22 - يعني ولتش رواية زيد بن ثابت في مقتل أهل اليمامة وماكان من جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق بسبب ذلك وموافقة عمر بن الخطاب، والحديث في البخاري كتاب فضائل القرآن باب .
23 - القرآن الكريم من المنظور الاستشراقي دراسة نقدية تحليلية للدكتور محمد محمد أبو ليلة ص149 و 150 و مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص5.
24- القرآن الكريم من المنظور الاستشراقي دراسة نقدية تحليلية للدكتور محمد محمد أبو ليلة ص 158 و مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص 6.
25- حضارة العرب ص115 ومواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص 8 و9.
26- يقول بلاشير في القرآن نزوله تدوينه.... ص29:" الحاجة إلى كتابة القرآن لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة، وعلى أن الحاجة إلى التدوين لم تظهر فيما يبدو إلا بين الفينة والأخرى، وربما كانت تنشأ عن تحمس شخصي لبعض النصوص التي تشتمل على أدعية أو أحكام تشريعية كانوا يرونها هامة، ولقد شجع النبي حماسة التدوين هذه، ولكنه لم يجعلها واجبة، وعلى أي حال فإن هذا التدوين كان جزئيا ومثيرا للإختلاف، كما كان مختلفا على الأخص بسبب عدم ثبات المواد المستعملة لذلك التدوين".وانظر نقدا متينا لهذا الرأي في آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم للدكتور أحمد نصري ص وما بعدها 207.
27- مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد للدكتور أبو بكر كافي ص 9.
28 تاريخ القرآن لنولدكه ص240.
29-  نص عبارة هنري ماسيه بالفرنسية:"
Sans doute il faut le répéter le Coram tel qu’il nous est parvenu ne contient pas la totalité des انظر آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم ص236. révélations
30 -تاريخ القرآن ص 210 ـ 232.
31- المستشرقون والقرآن الكريم للدكتور محمد أمين حسن محمد بني عامر ص 273.
32-كتاب المصاحف لابن أبي داود الملحق الإنجليزي ص179 مكتبة المثنى بغداد.
33-تاريخ القرآن ص303.
.Loth [34]
35-القرآن الكريم من المنظور الإستشراقي دراسة نقدية تحليلية ص 231 و232.
36-مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسهير ص 4.
[37] Le Coran que Sais ـ je p 20.
[38] Introduction au Coran p32 ; 33
وانظر أيضا:القرآن الكريم من المنظور الإستشراقي دراسة نقدية تحليلية ص 159.
[39] L Islam ; p 78.
[40] Introduction au Coran p57. 60.
41 -ممن ألف في ذلك المستشرقان ألفونس منجانا وآجنس سميث إذ نشرا في سنة 1914م كتابا بعنوان:" أوراق من ثلاثة مصاحف قديمة يمكن أن تكون سابقة للمصحف العثماني مع قائمة من احتلافات"، كما أن لجولد تسهير في كتابه:" مذاهب التفسير الإسلامي ص21 ـ 47 عناية بإثباب الزيادات الموجودة في المصاحف الفردية.
[42] Introduction au Coran p57. 60.
43-آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم ص 232.
[44] L Islam ; p79.
[45] Ibid ; Tom V ; p 416
بواسطة آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم ص158
[46] Islamologie ; p600.
[47] Ibid ; Tom V ; p 418
وانظر أيضا: آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم ص159 و160.
وانظر أيضا تاريخ القرآن لنولدكه ص 53 وما بعدها.
[48] Islamologie ; p600 ـ 602.
[49] Le Coran que Sais ـ je 21.
[50] Coran Tome premier p19.
[51] L Islam ; p81.
[52] L Islam et Chrétienté p 47.
[53] Le Coran; préface J. Grosjean p550.
[54] Encyclopédie Générale Larousse ; p550.
55-نقد الخطاب الديني ص206.
56-الفكر العربي محمد أركون ص32.
57مدخل إلى القرآن الكريم ص 24.
58-الشُّبه الإستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم رؤية نقدية ص 35.
59-الفكر الإسلامي قراءة علمية ص 246
60-تاريخية الفكر الإسلامي ص290-291
61-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص63.
62-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص51 و52.
63-في السيرةالنبوية ... الوحي والقرآن والنبوة ص45.
64 قضايا في نقد العقل الديني ص188 ـ 189
65-كما يقول محمد أركون في قضايا في نقد العقل الديني ص187.
66-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص147.
67النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص406 ولقد أحسن د/ الفاضل أحمد محمد في كتابه: الإتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن دراسة ونقد ص 413 و414 في ردِّ هذا الرأي.
68-مفهوم النص ص117.
69-هذا رأي المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه حصاد العقل في اتجاهات المصير الإنساني ص89 ـ 90.
70-المصدر السابق.
71-الفكر العربي 30 و31.
72-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص402.
73-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص387ـ 388 و401 ـ 402.
74-الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجة الوسطية ص62.
75-مدخل إلى القرآن الكريم ص232.
76-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص 388
77-النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص412.
78-سورة النساء الآية 34.
79-إسلام ضد الإسلام ص209 ـ 210.
80-مدخل إلى القرآن الكريم ص245.
81-مدخل إلى القرآن الكريم ص 420.
82-فهم القرآن القسم الثالث ص370.
83-من منتقدي الجابري من هذه الجهة د/ محمد عمارة في رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم...مشروعه البدعة لترتيب كتاب الله مجلة المجتمع الكويتية 13/ 08/ 2011م، وخلُص د/ عمارة إلى أن الجابري تناقض، ونقض على نفسه ماكان بناه، وذلك عندما قرر أن الأخبار في أسباب النزول قليلة جدا، وأن أكثرها آحاد وأنها ظنون وتخمينات، وهو في الوقت ذاته يعتمدها ويؤسِّس عليها مصحفا جديدا ؟؟
84-القرآن الكريم في دراسات المستشرقين ص187.
85-القرآن الكريم في دراسات المستشرقين ص 188.
86-آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم ص248.
87-وحي الله حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة....نقض مزاعم المستشرقين ص37.
88-دفاع عن القرآن ضد منتقديه ص7.
89 -التفسير في كتابات المستشرقين ص113.
90-علم التفسير في كتابات المستشرقين ص115.
91-المستشرقون والقرآن الكريم ص107.
92-المستشرقون والقرآن ص7.
93-الفكر الإسلامي قراءة علمية ص250.
94-مفهوم النص ص24.
95-المصدر السابق.
96-نقد النص ص207.
97- ألف د/ خالد كبير علال كتابا في ذلك سماه :" الأخطاء التاريخية والمنهجية في مؤلفات محمد أركون ومحمد عابد الجابري" المنشور في الجزائر سنة 2008م.
98- مدخل إلى القرآن الكريم ص212.
99-هذا التعبير استعمله د/ عبد لله العروي عندما تحدث عن الزيادة التي قد تكون غير مكتشفة إلى اليوم على مصحف عثمان في كتابه:" السنة والإصلاح ص86 وانظر رؤية نقدية لكتاب السنة والإصلاح للدكتور عبد الله العروي ص137.
100-من حوار مع محمد أركون أجرته مجلة الوطن العربي العدد 385 بتاريخ 29 يونيو 1984 ص55
101-الحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم .. دراسة نقدية ص76
102- تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص253 ولقد كتب د/ الحسن العباقي بحثا في الأثر الإستشراقي في أعمال محمد أركون، بعنوان :" الإستشراق في فكر محمد أركون بين الشعور بالمديونية والرغبة في التجاوز" نُشر في مجلة إسلامية المعرفة العدد55.
103-انظر الإتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن دراسة ونقد ص 12 و408 و549.
104-نظرات في القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي ص 21 للدكتور محمد زين العابدين رستم بحث مقدَّم إلى المؤتمر الدولي الأول للقراءات المعاصرة للقرآن الكريم المنعقد في جامعة شعيب الدكالي كلية الآداب شعبة الدراسات الإسلامية الجديدة المغرب 2011م والبحث المذكور منشور على عدة مواقع في الشبكة العنكبوتية، وانظر مواضع كثيرة من كتاب الشبه الإستشراقية في كتاب المدخل إلى القرآن الكريم رؤية نقدية لعبد السلام البكاري والصديق بوعلام.
105-سورة الرعد الآية رقم 17.








التعليقات